المحاماة: حضور وذاكرة

نشر في: آخر تحديث:

يوسف العيصامي: صوت العدالة

بقلم النقيب الأستاذ إبراهيم صادوق

الجزء الأول:

الإحساس الممض بالعزلة والوحدة وبمشاعر القلق والشك واللايقين؛ ذلك ما يجتاح الجميع ضمن شروط العزل الصحي والتباعد الاجتماعي وحالة الطوارئ الصحية التي فرضتها جائحة كوفيد19. ومن الأكيد أن لكل امرئ طريقته الخاصة في تدبير الوحدة والعزلة، وفي تبديد مشاعر القلق والخوف والشك.
من جهتي، لزمت بيتي وانخرطت طيلة فترة الحجر أناجي الكتب والنصوص الروائية المركونة فوق أدراج مكتبتي الخاصة، أتصفحها وأتأمل سطورها وأنهمك في قراءة بعضها؛ وحين تتعبني القراءة، أواكب مستجدات الوضع العام وطنيا ودوليا، وكذا الوضع الخاص المرتبط بمهنة المحاماة التي اخترتها طوعا لنبلها وكرست لها عقودا من حياتي. وخلال هذه المواكبة، لفتت انتباهي الكثير من الأمور والمستجدات التي كانت تدفعني دفعا إلى مناجاة نفسي في حوارات ذاتية تتأمل حاضر المحاماة وتقارنه بماضيها وذاكرتها. وأهم ما لفت انتباهي بقوة، كما لفت انتباه الكثير من الزملاء ومن المثقفين والمهتمين مسألة التقاضي عن بعد وتخابر المحامين مع موكليهم المعتقلين داخل المؤسسات السجنية، ثم مشروع القانون 20.22.
فقد بادرت وزارة العدل في سياق أزمة كوفيد 19 إلى إطلاق مبادرة التقاضي عن بعد، وجاءت هذه المبادرة انسجاما مع إجراءات التباعد الاجتماعي الإحترازية المتخذة لمحاربة تفشي الفيروس، وحرصا على سلامة الجميع. ومثل جميع المبادرات التي تأتي في سياق الجائحات والأوبئة فلهذه المبادرة رهاناتها وإكراهاتها. وتطرح الكثير من الأسئلة من قبيل الاستفهامات الآتية: هل يتعارض التقاضي عن بعد مع ضمانات المحاكمة العادلة؟ وهل نحتاج لوضع ضوابط للتقاضي الإلكتروني وإرساء قواعد خاصة به؟ وأي مستقبل للخدمات القضائية الالكترونية؟
ومن وجهة نظري، أرى أن المحاكمة عن بُعد تتناقض مع قيم المحاكمة العادلة، سواء في القانون الوطني أم في القانون الدولي؛ إذ ضمن فقه حقوق الإنسان، تنهض المحاكمة العادلة على معايير أساس، هي: العلنية والحضورية وضمان حقوق الدفاع ومؤازرة المحامي والحق في الصمت، والمحاكمة في أجل معقول، وهذه في منظوري قواعد معيارية لا يمكن ضمانها في المادة الزجرية في المحاكمة عبر الوسائط الإلكتــرونية.
ولا مجال للشك في أن تحقيــق هذه الشروط يرتبط بعدد من الاعتبارات في ظل الوضع الراهن المرتبط بحالة الطوارئ الصحية أهمها: التناسب ما بين الحق في الصحة والسلامة والحق في المحاكمة بشروطها العادية العادلة والثقة في النفس وتقدير مسؤولية من سيتولى مهمة تفعيل المحاكمة عن بُعد في ظرف توتر وقلق خلقته الجائحة، وكذا تحلي الفاعلين في مضمار العدالة بالكثير من الجرأة المهنية والأدبية والقانونية وضرورة الاجتهاد مع كل المستجدات التي قد تطرأ عند تفعيل المحاكمة عن بعد.
وضمن هذا السياق ذاته، يلزم الكثير من المرونة في خوض هذه التجربة المجسدة في حقل ممارسة التقاضي كي ألا تُفرض قرارات تَطبيقها بكيفية فوقية ومن مكاتب من هم في قمة هرم المسؤولية؛ وقصد القول من ذلك تفويض أمر منهجية التعامل معها محليا للمسؤولين القضائيين بتنسيق مع نقباء الهيئات. وهو ما يعني إمكانية اختلاف التطبيقات بين جهة وأخرى …وهو ما يعني كذلك، وفي المدى المنظور، الإسهام في الجهوية المتقدمة التي تشكل واحدا من الأوراش الكبرى على الصعيد الوطني….
و من الملائم تماما أن يبقى للمسؤولين محليا ضمن لقاءات ثلاثية منظمة ومستمرة إمكانية اختيار شكل ممارستها ومستوى تطبيقها في القضايا الجنحية فقط أو في كل أو بعض القضايا الجنائية… تطبيقات تختلف من محكمة لأخرى حسب ثقل القضايا وعدد الملفات، وطبيعتها وعدد المعتقلين الذين ينتظرون المحاكمة، و من الملائم كذلك أخذ رأي المحامين و رأي زبناءهم المعتقلين خصوصا فيما يهم تجهيز الملفات.
ويجب ألا ننسى وجود ملفات ذات امتدادات دولية؛ وهي على قلتها يقوم فيها تداخُل بين أطراف مغربية وأخرى أجنبية أو مرتبطة بإنابات قضائية دولية تستحيل معالجتها عن بعد؛ ولا بد من أن يكون نظام المُحاكمة عن بُعد خلال فترات الحجر الصحي والحظر والحصار، مبنيا على المرونة قبل المحاكمة وأثناءها وبعدها بهدف حماية حقوق المتقاضين وضمان نجاعة القضاء.
ومن الأكيد أن اعتماد تقنية التقاضي الإلكتروني يتطلب مستقبلاً “تدخلاً تشريعياً” لتأكيد مبدأ الشرعية ولوضع ضوابط التقاضي وإرساء قواعد خاصة به، ذلك أن اعتماد تقنية التقاضي الإلكتروني في الظرفية الراهنة يبقى محكوماً بشروط استثنائية هي شروط الجائحة الوبائية، لكنه يتطلب مستقبلا تدخلاً تشريعياً، أولاً لتأكيد مبدأ الشرعية الذي يشمل الإجراءات المسطرية، ولوضع ضوابط التقاضي الإلكتروني وإرساء قواعد خاصة به”.
وكان إعلان الوزارة عن الشروع في تطبيق نظام «المحاكمة عن بعد» باستخدام تكنولوجيا التواصل بين المتهمين نزلاء المؤسسات السجنية من جهة، والقضاة والمحامين في المحاكم من جهة ثانية، قد أثار بعض التخوفات القانونية والحقوقية خاصة ما يتعلق بالحق في المحاكمة العلنية، وضرورة استماع المتهمين للقضاة والمدعين دون حواجز، في الوقت الذي اعتبر العديد من الفاعلين في منظومة العدالة أن الإكراهات التي تفرضها جائحة كوفيد 19 تمثل فرصة سانحة لتعبئة كل الطاقات في سبيل القيام بالخطوة الحاسمة التي طالما تم التردد فيها، وهي الخطوة نحو تحديث قطاع العدالة بتسريع وتيرة التحول الرقمي في العملية القضائية.
تتجه الإدارة القضائية نحو ترسيخ مفهوم جديد في تدبير القضايا ومعالجتها تدبيرا قائما على الإدارة الإلكترونية، وهي تسعى إلى تعميمها في جميع هياكلها ومؤسساتها ومحافلها، وهذا ما يلاحظ مع مشروع قانون 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي الذي أحيل على المحكمة الدستورية للبت في مدى مطابقته للدستور تفعيلا للفصل 132.
وفيما يهم هذا الأمر بالذات، هناك أصوات تنادي بتعميم مبادرة “التقاضي عن بعد” في جميع المحاكم المغربية ما بعد أزمة كوفيد 19 خصوصا أن الجانب الإلكتروني صار منذ مدة ضرورة ملحة لتسريع البت في القضايا وتفادي آثار البيروقراطية الإدارية، إذ القضاءُ من المفاتيح الجوهرية لدولة الحق والقانون، ولتحسين مناخ الأعمال والاستثمار، و الإدارة الإلكترونية في الحقل القضائي ستعزز لا محالة هذا الدور، بل ستساهم أيضا في تحسين الأداء وتحقيق الجودة وضمان السير السليم للمرفق القضائي، بالإضافة إلى تحقيق النجاعة والفعالية.
ثم إن المؤسسة القضائية بجميع هياكلها وفروعها كان من ضمن أهدافها تعميم الإدارة الإلكترونية، لخدمة المواطن بالدرجة الأولى، ولتحقيق الحكامة القضائية، والانخراط في ورش التحديث وتطوير الخدمات القضائية الالكترونية وتجويدها وملاءمتها مع المتغيرات الوطنية والدولية في مجال العدالة الرقمية التي تعتبر من التحديات الأساسية التي يجب كسب رهانها. وبرغم ما قد لوحظ من تأخر وتعثر في هذا المضمار، فمسافة الألف ميل تبدأ بالخطوة الأولى.
وفي شأن مسألة علاقة المحامين بموكليهم المعتقلين داخل المؤسسات السجنية، انتابني الكثير من الحنق إثر قراءة الوثيقة الصادرة عن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بصفتها خطة عمل المندوبية في سياق التصدي للجائحة الوبائية. والواقع أن هذه الخطة استغرقني التفكير فيها لدرجة بادرت معها إلى صياغة رسالة موجهة إلى السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب؛ بينت فيها أن جائحة كوفيد 19 أرخت بظلالها على مهنة المحاماة والمنتسبين لها، خاصة بعد قرار إغلاق المحاكم وتعطيلها. وطرح المنتسبون للمهنة سؤالا حول مدى مشروعية الإجراءات المتخذة بمناسبة هذه الجائحة وكذا التدابير المتفق عليها لفترة ما بعد رفع الحجر الصحي مرورا بالإجراءات التعسفية المتخذة من طرف إدارة السجون.
إن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين بمن فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له عملا بالفصل 6 من دستور المملكة.
وإن المادة 18 من القانون 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية تستوجب على مدير المؤسسة السجنية ان يسهر على تنفيذ الأوامر والقرارات القضائية، كما أن المادة 21 من نفس القانون تعتبر مدير المؤسسة السجنية مسؤولا عن تنفيذ الأوامر والمقررات الصادرة عن السلطة القضائية
وهنا يكون قرار إغلاق السجون والامتناع عن نقل المعتقلين لجلسات المحاكم ومنع المحامين من التخابر مع المعتقلين مخالفا للقانون؛ وكان يفترض التعامل بصرامة مع مندوبية السجون لحثها على احترام القانون بدلا من الدوس على المواثيق الدولية المصادق عليها والدستور وقانون المسطرة الجنائية بخصوص ما تضمنه من قواعد بخصوص إجراءات سير الجلسات وصدور الأحكام.
حددت المواثيق الدولية وتوصيات ومبادئ الأمم المتحدة المبادئ الأساسية لأدوار الدفاع وألزمت الحكومات في إطار تشريعاتها وممارستها الوطنية باحترام المهام الأساسية للدفاع وبأن تكفل للمحامين القدرة على أداء جميع وظائفهم المهنية بدون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل غير لائق.
كما أن مقتضيات المادة 421 من قانون المسطرة الجنائية تتيح للمحامي الاتصال بالمتهم بكل حرية، وإن غاية ما تتطلبه المادة 80 من القانون 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية هو حصول المحامي على ترخيص تسلمه السلطة الفضائية المكلفة بالتحقيق أو النيابة العامة، غير أن الاتصال يتم بحرية في قاعة معدة لهذه الغاية.
كما أن مشرع القانون 23.98 خصص المواد من 75 إلى 79 لحق المعتقلين في استقبال أفراد عائلتهم وأوليائهم بينما خص المحامين بالمادتين 80 و 8 و التي تنص على اتصال المحامي بالمعتقل بكل حرية و عدم جواز التقليص من إمكانية اتصال المعتقل بحرية بمحاميه أو إلغائها.
والمؤسف أن الوثيقة الصادرة عن المندوبية العامة لإدارة السجون و اعادة الإدماج و المعنونة بخطة عمل المندوبية العامة لإدارة السجون و اعادة الإدماج من اجل التصدي لتفشي وباء كورونا المستجد تضمنت ضمن الإجراءات المبرمجة إلى متم شهر غشت 2020 اجراء يتمثل في تفتيش الزوار و المحامين مع الكشف على الوجه بإزالة الكمامة و التأكد من الهوية و من محل سكناهم لتفادي ولوج الأشخاص الذين يقطنون بمناطق تعرف ارتفاعا في عدد الإصابات و بذلك تكون الخطة قد سوت بين المحامين و عموم الزوار علما بأن القانون 23.98 المتعلق بتنظيم و تسيير المؤسسات السجنية ميز بين اتصال المحامين بموكليهم و زيارة أفراد العائلات والأولياء.
إن مجرد التفكير في تفتيش المحامين، وبرغم ما جاء بالبلاغ الصحفي الصادر عن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بتاريخ 26 ماي 2020 بأن الأمر يتعلق بخطأ مادي، فإنها مناسبة للوقوف عند كل التجاوزات التي كانت تتم داخل المؤسسات السجنية والتي تتضمن تضييقا لممارسة المحامي لحقه في التخابر مع موكله بحرية من قبيل الاحتفاظ بالبطاقة المهنية للمحامي، وبهاتفه المحمول وأحيانا التطاول حتى على سرية التخابر بين المحامي وموكله.
إن تفعيل الأجهزة الاستشارية للجمعية باث أمراً مستعجلا وذلك بالدعوة لاجتماع ندوة الرؤساء وندوة النقباء المنصوص عليها في المادتين 21 و 22 من القانون الأساسي لجمعية هيئات المحامين بالمغرب.
وقد أنهيت هذه المراسلة بملتمس مقتضاه مراعاة دقة المرحلة وخطورة ما تعرضت له المهنة والمنتسبين إليها خلال الفترة من 16 مارس 2020 إلى الآن التفضل بالدعوة لعقد اجتماع لتدارس قرارات وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ومندوبية السجون بالخصوص.
ومن موقعي كمحام وكنقيب سابق وكمثقف مهتم بالشأن الوطني تابعت الجدل الذي رافق مشروع القانون 20-22. و تبادلت الرأي مع الكثير من الزملاء، عبر الوسائل الإلكترونية، بصدد محتواه ومضمونه المرتبط باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البت المفتوح والشبكات المماثلة، والذي صادقت عليه الحكومة في اجتماع لها بتاريخ 19 مارس 2020، كما تدارسنا مختلف تداعياته على مستوى منابر التواصل المجتمعي، خلال حوارات مكثفة عشية 30 أبريل وصبيحة فاتح ماي 2020، وانتهيت إلى إبداء عديد الملاحظات والمواقف في هذا الشأن: منها تثمين الجهود التي بذلتها الدولة وتبدلها في محاربة جائحة كورونا؛ واستغراب الكيفية التي تمت بها المصادقة على هذا المشروع واستغراب مضمونه نفسه؛ ثم استغراب عدم احترام الحكومة للظروف الاستثنائية التي يشتغل فيها مجلسا النواب والمستشارين؛ إذ وقع تقليص الحضور في اجتماعاتهما الى أدنى تمثيلية؛ وغياب الشروط الموضوعية التي قد تفرض المصادقة على مثل مشاريع القوانين هذه في الظرف الراهن؛ وتنصيص القانون الجنائي على تجريم نفس الأفعال المنصوص عليها في مشروع القانون رقم 20-22، كما أن القضاء أصدر أحكاما؛ وهو ما يجعل هذا القانون نافلا ولا معنى له. وإجهاز الحكومة على المكتسبات ومضامين وتوصيات مجلس حقوق الإنسان ونداءات المسؤولين الأمميين ذات الارتباط بحقوق الإنسان في سياق محاربة جائحة كوفيد 19؛ إذ إن الأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة مجلس حقوق الإنسان بجنيف وضعا هذه الحقوق في مركز هذه المحاربة وطليعتها، كما دعا المقرر الخاص بالحق في حرية التجمع السلمي وتأسيس الجمعيات عند إصداره للمبادئ التوجيهية العشر لمواجهة الجائحة (14 أبريل 2020) الى أهمية التدفق الحر للمعلومات وتجنب القوانين التي تجرم « الأخبار الزائفة » بما في ذلك تلك التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان، وبرغم تحذير الأمين العام للأمم المتحدة من خطورة المعلومات المضللة بشأن انتشار الفيروس حيث قال ” يشهد العالم جائحة أخرى وهو يحارب جائحة كورونا، هي المعلومات المضللة حول انتشار الفيروس ».
وتعرفون أن مشروع القانون 20 -22 يتعارض مع الفصل الخامس والعشرين من الدستور المغربي الذي ينص بالحرف على أن “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها”. وأن ” حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي والتقني مضمونة”.
وترتيبا على سابق الملاحظات، بدا لي كما بدا لكافة الهيئات الحقوقية ولكل المتتبعين للشأن العام أن مشروع القانون 20 _ 22 خرق سافر للمقتضيات الدستورية المرتبطة بحقوق الإنسان وانتهاك فاضح لالتزامات المغرب الدولية؛ وأمام هذا الوضع، من الضروري الاحتكام للقواعد الدستورية والتمسك بها في مجال التشريع، وفي بلورة قانون رقمي لا يتعارض مع حرية التعبير. ولا يجنح إلى الإجهاز على حقوق المواطن المستهلِك؛ بل ورفضنا رفضا قاطعا جميع المقتضيات التي تمس حرية الرأي والتعبير والإبداع الفني والأدبي؛ ونرفض مضامين هذا المشروع جملة وتفصيلا. واستنكرنا استبعاد فعاليات المجتمع المدني المعنية وهيئات المحامين من إبداء رأيها في المشروع وحوله؛ وانتهينا إلى الدعوة بإلحاح إلى سحب مشروع القانون هذا الذي يلحق عميق الضرر بالوحدة الوطنية التي بلغها الشعب المغربي قاطبة وهو يتصدى للجائحة الوبائية. وهذه المواقف التي عبرنا عنها كهيئة وطنية للعدالة كافية لإبراز مجمل موقفنا من هذا المشروع.
وتعرفون أن السياق الذي طرح فيه هذا المشروع كان عنوانه البارز جائحة كوفيد 19 وما ترتب عنها من إجراءات الحجر الصحي والطوارئ الصحية مع مضاعفات كل ذلك على الأصعدة الاقتصادية والمجتمعية والنفسية والذهنية؛ ثم مناخ القلق والشك والضغط النفسي واللايقين الشامل… وغيرها مما يخلق شروط التوتر. وعليه، فمجرد التفكير في ذلك المشروع يعني صب الزيت فوق النار؛ فهو مشروع حارق ومناف لحرية التعبير ويسير في اتجاه نقيض لحقوق الإنسان، مما يعني أن طرحه يقود -وقد قاد بالفعل- إلى ردود أفعال الوطن في غنى عنها ضمن سياق الاحتقان الذي أفرزته الجائحة….
تضاعف المشاكل المطروحة على المهنة القلق والمخاوف والهواجس، وتحفز الذاكرة على استحضار الأزمنة الجميلة التي التحقت فيها بالمهنة، أَنَّى كنت شابا يافعا أواظب على دروس معهد ابن يوسف، وفي ساعات الفراغ، أتسلل إلى قاعات المحكمة الإقليمية سابقا، والابتدائية راهنا لمواكبة جلساتها الجنحية وكي أتابع عن كثب مرافعات النيابة العامة والمحامين التي كانت تثير إعجابي وتمنحني الإفادة والفرجة والمتعة؛ وفوق ذلك تصقل لدي جملة من الاستعدادات، إذ أرى بعين البصيرة وأسمع بأذن القلب وأعي بسويداء الفؤاد بلاغة الخطابة ومنطق الحجاج والاستدلال والإقناع وتبادل الرأي ووجهات النظر بحثا عن الحقيقة والصواب.
يتبع……..

اقرأ أيضاً: