الرئيسية غير مصنف المحاماة تحاور رئيس الجمعية: “إن كنت لا تسطيع دفع منيتي.. فدرني أبادرها بما ملكت يدي”

المحاماة تحاور رئيس الجمعية: “إن كنت لا تسطيع دفع منيتي.. فدرني أبادرها بما ملكت يدي”

IMG 4545
كتبه كتب في 22 ديسمبر، 2025 - 10:46 مساءً

ذ/ عبد اللطيف أيت بوجبير

​المحاماة: (تتقدم بخطى واثقة، تلامس رداءها الأسود بوقار وكبرياء)
“السيد الرئيس.. ، إنني أرى ملامح هويتي تطمس أمام عيني. إنهم يعتزمون صهري في “منظومة العدالة” كمجرد مرفق إداري، بدلا من كوني “جزءا أصيلا من أسرة القضاء”. هل نسوا أن استقلاليتي ليست ترفا أو امتيازا، بل هي الضمانة الوحيدة ضد تغول السلطة؟ إن تحويلي إلى “وظيفة شبه عمومية” يعني ابتلاع الحصانة المعنوية لأبنائي، وتجريد الدفاع من أنيابه.
​رئيس الجمعية: (بهدوء المتبصر وبثقل المسؤولية)
أدركُ يقينا عمق هذا القلق الوجودي. إن تمسكنا بعبارة “أسرة القضاء” ليس بحثا عن بريستيج أو تشريف، بل هو اعتراف بـ “الندية” والشراكة العضوية في إرساء الحق. نحن شركاء في صناعة العدالة لا أتباعا لها. الصراع اليوم ليس ترفا فكريا حول المصطلحات، بل هو معركة لتثبيت الحصانة التي تحمي المحامي حين تشتد عواصف الخصومة.
​المحاماة: (بنبرة احتجاجية حارقة)
ولكن، كيف تقبلون بتكييف “التوقف عن العمل” على أنه “إنكار للعدالة”؟ هذا انزياح خطير ومبيت من القانون المهني إلى “القانون الجنائي”. إنكار العدالة تاريخيا هو تهمة توجه للقاضي الممتنع عن الفصل، فكيف يسقطونها على المحامي الذي يمارس حقا دستوريا مكفولا بالمادة 29؟ أبنائي “أحرار” في تدبيرهم لوقتهم المهني ما داموا لا يضرون بمصالح موكليهم عمدا، ونضالهم لا يمكن أن يصفد بسلاسل التهم الجنائية المبطنة.
​رئيس الجمعية: (بحزم)
هذه النقطة هي حجر الزاوية في مذكراتنا الترافعية. لا يمكن تجريم الفعل النضالي أو المهني تحت أي مسمى. إننا نرفض أي صياغة تصادر حق الهيئات في ممارسة أشكال نضالية مشروعة للدفاع عن كرامتك؛ فالحرية هي جوهر وجودك، وبدونها لا يستقيم هذ الوجود.
​المحاماة: (تقترب منه أكثر، بنظرة ملؤها التوجس)
وماذا عن محاولة “ترويض” قرة عيني.. السادة النقباء؟ أخشى أن تتحول المتابعات التأديبية ضد نقباء الهيئات أو رئيس الجمعية إلى أداة لـ “الترويض” أو الضغط من طرف الوكلاء العامين المحليين. هل سنسمح للصراعات الشخصية أو الحساسيات المحلية أن تكسر هيبة النقيب وتجعله تحت رحمة “المزاج” القضائي المحلي؟
​رئيس الجمعية: إطلاقا، لن نسمح بذلك. مطلبنا ثابت وواضح: “المسطرة الخاصة”. يجب أن يظل الاختصاص حصريا للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض. هذا التدبير وحده هو الكفيل بضمان التجرد، وإبعاد مؤسسة النقيب عن تصفية الحسابات الضيقة، وحفظ هيبتك شامخة أمام القضاء المحلي.
​المحاماة: (تضرب بيدها على الطاولة بخفة تملؤها الحيرة)
والأتعاب السيد الرئيس! يريدون إفراغ “مؤسسة النقيب” من سلطتها التقريرية عبر حذف مسطرة “التذييل بالصيغة التنفيذية”. هل يعقل أن يتحول أبنائي إلى “متسولين” في ردهات المحاكم لسنوات لتحصيل أتعابهم؟ أين كرامتي إذا جرد مقرر النقيب من نفاذه وقوته؟
​رئيس الجمعية: لن نتنازل عن فعالية مقرر الأتعاب الصادر عن السيد النقيب. يجب أن تظل لمؤسسة النقيب سلطة التقدير والتنفيذ، مع كفالة حق الطعن للموكل كضمانة توازنية. العدالة العرجاء هي التي تستهين بحق من نذر حياته للدفاع عن حقوق الآخرين.
​المحاماة: (تستطرد بمرارة)
حتى التقادم لم يسلم من العبث! يريدون جعل سيف التأديب مسلطا على رقاب أبنائي لسنوات عبر ربطه بـ “التنفيذ” لا بـ “الصدور”. هذا شذوذ قانوني. أطالب بحصر التقادم في 3 سنوات من تاريخ صدور القرار أو ثبوت الواقعة، تماشيا مع القواعد العامة، وتحقيقا للاستقرار المهني والقانوني.
​رئيس الجمعية: الاستقرار القانوني حق لنا كما هو حق للمواطن، ولن نقبل بأن يظل التهديد التأديبي جرحا مفتوحا إلى ما لا نهاية.
​المحاماة: (تختم بلهجة حازمة تملأ القاعة)
السيد الرئيس، زمن “السرية” قد ولى. ارفعوا السرية عن المشروع، ولا تكتفوا بمجرد “الرفض”. أشركوا أبنائي، استمعوا لنبضهم، وصوغوا “بديلا تشريعيا متكاملا” يستمد قوته من الخطب الملكية التي تعتبرني فاعلا أساسيا لا “تابعة”. ارفضوا منطق “الكوطة” والفئوية؛ فأنا كنت وسأظل مدرسة الديمقراطية، والكفاءة هي ميزاني الوحيد. لا تقتلوا تاريخي بـ “حيل” الكوطة المصطنعة، فكما يقال: “Le quota et la technocratie tuent la démocratie”.
​رئيس الجمعية: (يقف بوقار ويعدل وشاحه المهني)
رسالتكِ أمانة، وقد وصلت بوضوح. نحن لا ندير أزمة عابرة، بل نخوض معركة وجود تاريخية. سيشهد التاريخ أننا لم نكن نذود عن امتيازات، بل كنا حراسا لهويتك كـ “مهنة حرة مستقلة”، وستبقين أبدا القلعة الأخيرة والحصن الحصين للدفاع عن الحقوق والحريات في هذا الوطن.
أي تشابه في الأسماء والصفات هو من قبيل الصدفة.

مشاركة