الرئيسية آراء وأقلام المحاكمة عن بعد في ظل جائحة كوفيد-19: أي ملءمة لأصول ومبادئ المحاكمة العادلة

المحاكمة عن بعد في ظل جائحة كوفيد-19: أي ملءمة لأصول ومبادئ المحاكمة العادلة

IMG 20200504 WA0145
كتبه كتب في 4 مايو، 2020 - 6:31 مساءً

عدنان المرابط

باحث في القانون 

       

بادئ ذي بدء، لا بد من الإشارة الى ان المحاكمة العادلة تعتبر من اهم المبادئ التي توصل اليها الفكر الحقوقي بمشارق الأرض ومغاربها، على اعتبار انه أصل كوني يهم شرائح المجتمع بكلياتها.

وموضوع المحاكمة العادلة، لئن كان يتناول في العادة بدءا من مرحلة ما قبل المحاكمة، أي اثناء البحث التمهيدي والتحقيق الاعدادي، وانتهاء الى مرحلة ما بعد المحاكمة، فان هذه الاسطر سوف تتناوله فقط في شقه المتعلق بالمثول امام المحكمة وذلك بالنظر لارتباطه الوثيق بإجراءات السلامة الصحية التي اعتمدتها محاكم المملكة حفاظا على صحة وسلامة المعتقلين احتياطيا في ظل تفشي وباء كوفيد-19.

وغني عن البيان ان المتهم بمجرد مثوله امام هيئة المحكمة فانه يتمتع بحقوق تدخل في صميم حقوق الدفاع التي تجد أساسها في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات البعد الحقوقي وداخل التشريع الوطني أيضا من دستور وقانون المسطرة الجنائية (1). ولكن من اجل الحد من انتشار الوباء وحفاظا على سلامة المعتقلين، عملت السلطة القضائية على نهج نظام المحاكمة عن بعد ليطرح سؤال ملائمة تلك بأصول ومبادئ المحاكمة العادلة (2).

1- أصول ومبادئ المحاكمة العادلة

مما لا يخفى على شريف علم أحد ان المحاكمة العادلة تنبني على شروط ومقومات أساسية اتفق الكل عليها، وهي كما حصرتها منظمة العفو الدولية في دليلها حول المحاكمة العادلة تشتمل على مجموعة من الحقوق يمكن اجمالها فيما يلي:

ا- الحق في المساواة امام القانون والمحاكم:

تنص المادة 26 من العهد الدولي على ان الناس جميعا سواسية امام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساو في التمته بحمايته.

وينص الفصل 19 من الدستور المغربي على ان الرجل والمرأة يتمتعان على قد المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.

ب- الحق في المحاكمة امام محكمة مختصة مستقلة ونزيهة مشكلة وفق احكام القانون:

وفي هذا الإطار تنص المادة 14/1 من العهد الدولي على انه من حق كل فرد لدى الفصل في تهمة جزائية توجه اليه … ان تكون قضيته محل نضر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشاة بحكم القانون.

ج- الحق في المناقشة الحضورية والعلنية للقضايا

الأصل ان المحاكمات تكون علنية وحضورية والاحكام تصدر بتلك الصفة، اللهم ما استثني بنص كقضايا الاحداث.

د- البراءة هي الأصل والشك يفسر لفائدة المتهم

ينص الفصل 119 من الدستور على ان كل مشتبه فيه او متهم يعتبر بريء الى ان تثبت ادانته بمقرر قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به.

وتنص المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية على ان الأصل هو البراءة وان الشك يفسر لفائدة المتهم.

ح- الحق في محاكمة دون تأخير لا مبرر له

تنص المادة 14/3/ج من العهد الدولي على ان المتهم يتمتع بالحق في ان يحاكم دون تأخير لا مبرر له.

وينص الفصل 120 من الدستور ان لكل شخص الحق في متابعة عادلة وفي حكم يصدر داخل اجل معقول.

خ- حق المتهم في ان يدافع عن نفسه بشخصه او من خلال محام

الأصل ان المحامي يكون اختياريا في المادة الزجرية الا ما استثناه القانون وخاصة المادة 316 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على ان الزامية المحامي تكون في الجنايات وفي الجنح في الحالات التالية:

-عندما يكون المتهم حدثا او أبكما او اصما او به أي عاهة منعه من الدفاع عن نفسه

-عندما يكون من المحتمل ان يحكم عليه بالإبعاد.

2- ملاءمة المحاكمة عن بعد مع مبادئ المحاكمة العادلة

ان المحاكمة عن بعد بالطريقة الالكترونية وعن طريق برنامج Skype او أحد البرامج او التطبيقات الأخرى التي تتيح التواصل بين مختلف المتدخلين في المحاكمة، من قضاة سواء للحكم او للنيابة العامة ومتهم وضحية ومحامين، عن طريق الصوت والصورة ليس وليد اليوم وانما انتشار الوباء سرع في انزاله لأرض الواقع فقط على اعتبار ان المحاكمة عن بعد صورة من صور المحكمة الرقمية.

وملائمة المحاكمة الالكترونية عن بعد مع أصول ومبادئ المحاكمة العادلة تجعلنا مقول انها) أي المحاكمة عن بعد في زمن كوفيد-19(تحترم كافة شروط المحاكمة العادلة. بل الأكثر من ذلك، في نظرنا، يمكن اعتبارها حصن المحاكمة العادة الحصين وأساسها المتين وركنها الشديد الذي اوت اليه في زمن الحجر الصحي.

ونقصد مما سلف ذكره انه لولا المحاكمة عن بعد بالطريقة الالكترونية لما احترم مبدا من اهم المبادئ ومقوم من اهم مقومات وأصل من اهم أصول المحاكمة العادلة الا وهو الفعالية والنجاعة القضائيتين والبت في القضايا داخل اجل معقول، وهذا في حد ذاته مكسب كبير.

كما ان مسالة عدم حصور المتهم للجلسة بشحمه وعضمه بالنظر لحالة الحجر الصحي التي تعرفه بلادنا لا يعني ان مبدا الحضورية لم يحترم بل الاصح هو ان ذاك المبدأ احترم احتراما شديدا اذ ان التواصل الالكتروني يمكن من معرفة ما يروج في الجلسة بكل حذافيرها حيث تمكن من معرفة ردود الأفعال بشكل يمكن القاضي الجنحي من تكوين قناعته. وفي هذا السياق قال الفقيه GEORGES RIPERT: les hommes ne sont plus séparés par la distance, le téléphone, le télégraphe, la radio, le cinéma, les rapprochent et les renseignent.

وفي سياق مقارناتي، ذهب التشريع في فرنسا الى سن قوانين تأصل للمحاكمة عن بعد وهكذا نجد القرار رقم 2020/303 الصادر في 25 مارس 2020 المتمم لقواعد المسطرة الجنائية الفرنسية والمتعلق بحالة الطوارئ من اجل مواجهة جائحة كوقيد 19 والذي نص في مادته السابعة على انه يمكن لرئيس الجلسة ان يأمر بجعل الجلسة سرية إذا ادعت ضرورة الحفاظ على الصحة العامة ذلك.

وفي الأخير لا يسعنا الا ان نختم هذه الكلمات بالقول بان اجراء المحاكمة عن بعد وعن طريق الوسائل الالكترونية هو قرار مؤسس قانونا، حكيم تدبيرا وفعال عمليا.

وفي هذا الإطار لا بد من رفع قبعة الفخر والاعتزاز وندق جرس الاحترام والتقدير لكافة قضاة المملكة المرابطون في المحاكم خدمة للوطن وتحقيقا للعدالة والامن القضائي وكافة الساهرين على إنجاح الحجر الصحي.

مشاركة