الرئيسية آراء وأقلام المجتمع المدني كفضاء للتنافس الأيديولوجي من أجل الهيمنة

المجتمع المدني كفضاء للتنافس الأيديولوجي من أجل الهيمنة

IMG 20180522 154314 916.jpg
كتبه كتب في 22 مايو، 2018 - 3:44 مساءً

 

صوت العدالة – ذ.طه الفرحاوي

يتبين من تصور كل من ماركس وهيغل لمفهوم المجتمع المدني _رغم الإختلافات الموجودة بينهما _أن هناك تخليا عن مرادفة المجتمع المدني بالدولة أي بالمجتمع السياسي في صياغة لوك وهوبز وروسو فقد أصبح المفهوم يشير إلى درجة التوسط القائمة بين الدولة والمواطن. ولقد أسهمت ليبرالية القرن التاسع عشر في إبراز دور التنظيمات المجتمعية مثل الجمعيات والنقابات والأحزاب في تنظيم المجتمع المدني وفي ربط صلات الإتصال والانفصال بينه وبين الدولة أي بينه وبين أجهزة تسيير الحكم البيروقراطية والعسكرية.
لقد عاد المفهوم بعد نهاية الحرب العالمية الأولى مع المفكر الماركسي أنطونيو غرامشي، ويشير مفهوم المجتمع المدني في كتاباته بصورة عامة إلى مجموع التنظيمات الخاصة التي ترتبط بوظيفة الهيمنة ينظر غرامشي إلى المجتمع المدني باعتباره جزءاً من البنية الفوقية هذه البنية التي يميز فيها بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، وظيفة الأول الهيمنة عن طريق الثقافة والأيديولوجيا ،ووظيفة الثاني السيطرة والإكراه أعطى غرامشي لمنظمات المجتمع المدني دورا مهما جداً في إكساب الوعي لدى طبقات المجتمع وفي تمكين طبقة متسيدة اقتصادياً من تحويل سيطرتها على مجتمعها إلى هيمنة مقبولة من الأفراد كافة. فهذه الطبقة تسعى أن تكون الإتحادات المهنية و النقابات العمالية والأحزاب بل والمؤسسات الدينية والاجتماعية في صفها وأن تكون أداة لصبغ كل المجتمع برؤيتها للعالم.
من ناحية أخرى فإن الهيمنة تبدأ في الإنهيار عندما تنجح الطبقات النقيضة في تطوير منظمات المجتمع المدني وتوجهها تحت قيادة مثقفيها إلى بلورة هيمنتها المضادة التي يعتبر ظهور بوادرها علامة على تحول ثوري قادم في هذا المجتمع، لا يقتصر على انتقال أجهزة الدولة فيه إلى ممثلي أو حلفاء الطبقة الصاعدة، وإنما يمتد هذا التحول إلى العلاقات الإنتاجية ذاتها وقوة الإنتاج أو قاعدة نمط الإنتاج.
إن السؤال الذي جعل غرامشي يستدعي مفهوم المجتمع المدني هو :ما هي الشروط الاجتماعية التي مكنت الطبقة العاملة من الاستيلاء على سلطة في روسيا رغم خصوصيتها الاقتصادية والاجتماعية المتميزة عن أروبا؟
ولقد أوضح غرامشي أن سبب النجاح يعود إلى أن الدولة في روسيا كانت تمثل كل شيئ مقابل هلامية وهشاشة وفقر المجتمع المدني بينما نجد أن الدولة في الغرب تتميز بتلاحمها مع المجتمع المدني .من هنا فالاستيلاء على السلطة في الغرب يقتضي تطوير استراتيجية جديدة مخالفة لاستراتيجية البلاشفة استراتيجية تقوم على استخدام الأيديولوجيا في سبيل الهيمنة أي استخدام المثقفين لإنتاج رأس مال رمزي بواسطة النقابات والمدارس لتحقيق الهيمنة

مشاركة