الرئيسية آراء وأقلام اللغة العامية و صناعة الفوضى .

اللغة العامية و صناعة الفوضى .

20180905 131657 2.png
كتبه كتب في 9 سبتمبر، 2018 - 10:18 صباحًا

 

 

بقلم :ذ العياشي الفرفار

 

حين يترافع دعاة ادماج اللغة العامية او بعضا منها في المقررات الدراسية بدعوى احترام خصوصية الطفل و الدفاع عن اللغات المحلية فهو طرح يتغذى من مرجعيات فلسفة ما بعد الحداثة التي اجتاحت اوربا بعد الحرب العالمية الثانية كموجة احتجاج على الحرب و على مسار ومنتوج العقلانية التي انتجت اسلحة دمار شامل .
منطق فلسفة ما بعد الحداثة هو الخروج عن المنطق و معاداة العقل و ندمير النظام و و الغاء مركزية المفاهيم و عدم قدرتها على فهم العالم , هي فلسفة تتبنى رؤية جديدة تقوم على تغييب المعنى، وتقويض العقل والمنطق والنظام والانسجام و تنشر اليأس والشكوى والفوضى في المجتمع.
فادماج اللهجات في المقررات الدراسة هو تصور مؤسس على خلفيات نظرية و فلسفية في غاية الخطورة انها نزعة لتشتيت و التقسيم وتنمية الصراع و الهدم و التخريب بدعوى الانحياز و الترافع عن المحلي و عن هوية التلميذ و لغته المحمولة معها .
ادماج اللغة العامية- و بغض النظر عن النواقص البيداغوجية و الديداكتيكية – وهو مشروع نظري ينتمي الى الفضاء الفكري المابعد – الحداثة و الذي يرفض اقامة النظام و الخروج عنه , و تاسيس مجال للفوضى من خلال الاحتفاء بالتعددية و تمجيد الاختلاف و التشظي و التجزيئ و تفكيك النظام القائم لاسيما النظام اللغوي الذي يقود الى تشتيت النظام الاجتماعي و السياسي .
فالخروج عن اللغة العربية هو خروج عن الوحدة و عن النظام و عن القواعد المشتركة المنتجة للمعنى و المؤسسة لتواصل جيد , لان ا لتواصل مؤسس على مقاسمة المعنى و الاشتراك فيه , فكيف يتم التواصل في وجود دلالات و متناقضة و مفاهيم غير موحدة . اختلاف المفاهيم يقود الى اللاتواصل الذي ينتج العنف ؟ ( يوجين يونيسكو واريك فايل ) .
ان اللغات العامية تقود الى اللاتواصل الذي يؤدي الى البلبلة و الصراع تم انتاج العنف , المفكر عبد الفتاح كيلطو .
حين في مؤلفه لسان ادم يتحدث عن اختلاف اللغات البشرية و تعددها حيت يعتبرانه قبل الحكم البابلي كان البشر يتكلمون لغة واحدة , و بالتالي وحدة اللغة تنتج قوة و هيمنة فقرر البابليون بناء برج يصل الى السماء و وتحويل بابل من انسان الى اله , و بحسب الانجيل نزل الرب ليرى البرج ويعاقب البابليين على جراتهم و الرغبة في تغيير طبيعة البشر , فكانت العقوبة هي تشتيت جهودهم و اختلافهم و انتشرت البلبلة بينهم نتيجة ببلبلة لغتهم أي اختلاف السنتهم حتى لا يفهم بعضهم بعضًا و بالتالي تضيع و تتشتت جهودهم ويتحول اتحادهم الى تشتت وضعف . فالبلبلة نتيجة اختلاف اللغة .
فحسب عبد الفتاح كيليطو فان الضعف الانساني مرتبط بتدبير فعل اللغة فحين تتوحد اللغة و تكون لغة مركزية واحدة تقود لى القوة و حين تختلف اللغة و تتعدد الالسن تحدث البلبلة التي تقود الى الفوضى و الصراع .
فسياق الدعوة الى ادراج اللغات العامية و بعض من مدلولاتها وهو خطاب ينتمي الى فلسفة اللامعنى أي محاولة تدمير العقل و المعنى و معاداة التجميع و الانسجام و التفكير و المنطق و الانحياز الى اللامعنى و الهامشي و المخفي و المستور و المحلي و المتنافر .
فالانحياز الى اللامعنى بدل المعنى هو انحياز و اختيار للانظام و الفوضى , لنتوقف قليلا عند علاقة اللغة و النظام و ان الدفاع عن فكرة الخروج عن اللغة هو الخروج عن النظام , يمكن الاستئناس ببعض الامثلة من خلال اجراء مقارنة بين سلوك شخصين , الاول يجيد الحديث باللغة العربية نطقا ورسما و نحوا , احترام اللغة يعني الخضوع لسلطتها و لسلطة نظمها و قواعدها النحوية و الصرفية و التركيبية و الاملائية وهو ما يقود الى حتمية لغوية أي ان هذا الشخص لا يستطيع التحرر من سلطة اللغة , و حتى ان حاول الخروج عنها فالامر لايكون تمردا انما يسميه رولان بارت بخيانة اللغة أي الابداع عن طريق انتاج معاني جديدة بتوظيف المجاز و الاستعارة و كل الاساليب و الاليات اللغوية التي تنتج معاني فوق لغوية / اللغة الساحرة و هنا نتحدث عن سحر و جمال اللغة . فالادب هو خيانة اللغة و ليس الخرج عن طاعتها .
الشخص الذي يحترم اللغة و يقيم في فضائها و يحترم قواعدها هو كائن لغوي نظامي سيتاثر سلوكه اليومي بسلوكه اللغوي , حيت يتصرف وفق منطق خاص ومنظم يعادي الفوضى و العشوائية حيت يحترم علامات المرور كما يحترم علامات الترقيم , فالنظام اللغوي يقود الى النظام السلوكي و الاجتماعي .
و بالمقابل الشخص الذي يتكلم لغة او لهجة بدون التقيد بمفاهيمها و قواعدها و يمارس تمردا عليها حيت تصبح الارقام حروفا الرقم 3 يعني حرف العين بشكل مجرد , معناه ان هذا الشخص يتصرف بمنطق عشوائي و لا يملك نظاما لغويا يقيم فيه و يضبط فيه سلوكه و هو ما ينتج سلوكات طائشة وعشوائية منفلتة و بالمحصلة نكون امام واقع منفلت يصعب ضبطه و التحكم فيه , واقع ملئ بكائنات تعيش على الفوضى و بالفوضى و هو ما نلاحظ مؤشرات و بشكل مكثف في الفضاء الاجتماعي من خلال مظاهر اللباس و نوع الحلاقة و طريقة التواصل و انواع الغناء و كل مظاهر السلوك اليومي , فالامر يقود بلاشك الى حالة اختفاء العقلانية و قيمها من الفضاء العام وهو مؤشر خطير يهدد السلم الاجتماعي والسياسي المؤسس على قيم النظام و الانضباط و ليس على قيم الفوضى .
لذا فالدعوة الى اللهجات و التمرد على اللغة العربية هو تمرد على الوحدة و العقل و المعنى و هو بداية الطريق نحو الفوضى و الكاووس .
الامر الاكثر غرابة ان مدير المناهج خرج بتصريح ان عدد الكلمات الموظفة في المقررات محددة و لا تشكل تاثيرا على روح و اهداف المقرر ؟؟
غريب فعلا , ان يقول مسؤول وفي موقع حساس مثل هذا الكلام الذي يعكس الجهل المطلق بحقيقة الاشياء و بخلفياتها .
ربما السيد المدير ما زال يعيش في القرن التاسع عشر و لم يستوعب التطورات المتسارعة على مستوى النظريات العلمية و لم يمسع بنظرية الفوضى و رفرفة جناح الفراشة في مجال علم المناخ المستمدة من الفيزياء و من رياضيات بوانكاريه , لان فالاشياء الصغير ة المهملة قد تقود الى نتائج غير متوقعة و ربما مدمرة .
وهي نظرية في علم المناخ للباحث لورينز و اذي اعتبر ان رفرفة جناح بعوضة في مدغشقر مثلا قد تحدث اعصارا مدمرا في امريكا او في اليابان .
هذه النظرية في علم المناخ استمدت اسسها النظرية من رياضيات بوانكاريه الذي اعتبر ان إن الوضع النهائي لأي جسم يعتمد اعتمادًا حساسًا جدًا على وضعه في البداية .
بمعنى ان الارقام الصغيرة المهملة في الحساب قد تؤدي الى نتائج هائلة , بهذا المعنى فان التغيير و لربما المدمر لا يرتبط فقط بادماج عدد كبير من المفاهيم و العبارات الدراجة بقدر ما يكون التغيير مدمرا بعدد قليل فقط .
حين سمعت تصريح مدير المناهج توقفت عن الاستغراب , فكيف نطالب من لا يعرف ان يحدد المقومات القبلية لشروط المعرفة .

مشاركة