صوت العدالة- معاذ فاروق
في الفيزياء الديناميكية، هناك مبدأ صارم يحكم حركة الأجسام: أي جسم يفقد توازنه داخل منظومة متسارعة يصبح عبئًا على استقرارها، ويُدفع حتمًا خارجها بفعل القوى الطبيعية التي لا تُهادن الجمود. وعلى غرار ذلك، فإن السياسة تُدار وفق معادلات دقيقة، حيث لا مكان لمن فقد القدرة على التكيف، ولا فرصة لمن أصر على تجاهل التحولات العميقة التي تُعيد تشكيل المشهد من حوله.
وانطلاقًا من هذا القانون الطبيعي، فإن مجلس سطات، كغيره من المؤسسات التمثيلية، لم يعد مجرد فضاء إداري، بل بات منظومة تتطلب سرعة في الاستجابة، قدرة على التكيف، واستيعابًا للمتغيرات المتسارعة. فاليوم، لم يعد التسيير العشوائي أو الارتجال الإداري مقبولًا في عالم تُحكمه البيانات، التحليل الاستراتيجي، والتخطيط الذكي. وعليه، لم يعد بالإمكان إنكار أن هناك فجوة معرفية ومنهجية بين الأجيال الجديدة، التي تستوعب لغة الإدارة الحديثة، وبين من تشبثوا بأساليب تقليدية لم تعد صالحة لمواكبة التحديات الراهنة، وبالنظر إلى هذه التحولات، يظهر أن هناك نمطًا متكررًا في المنظومات التي تواجه خطر الجمود، وهو ما يعرف في علم النظم بـ “المقاومة السلبية”. ويعني ذلك استمرار بعض العناصر في عرقلة التغيير، ليس لعدم وجود بدائل، بل لخوفها من فقدان الامتيازات أو العجز عن الاندماج في منظومة جديدة تُدار بقواعد مختلفة تمامًا. وهذه الظاهرة، إن لم تتم معالجتها بحزم، تقود إلى انهيار المنظومة ككل، حيث تصبح بيئة العمل بيئة مقاومة للتطور بدل أن تكون حاضنة له، وبناءً على ذلك، فإن السؤال لم يعد: هل يجب على الوجوه القديمة أن تغادر؟ بل أصبح: كيف سيكون شكل هذا الرحيل؟ فالتاريخ لا يرحم أولئك الذين ينتظرون أن يُدفعوا دفعًا خارج المشهد، ولا يسجل بأحرف مشرقة سوى أولئك الذين أدركوا توقيت الانسحاب بشرف، وتركوا بصمة إيجابية بدلاً من أن يتحولوا إلى عائق في وجه التطور. وهنا تكمن المفارقة الكبرى: بين من يرحلون باحترام، فيُحفظ لهم التقدير، ومن يتشبثون بالمقاعد حتى تسقط بهم، فلا يتبقى لهم سوى صدى سقوطهم المدوي.
وفي المحصلة، لا بد من الإقرار بأن التغيير لم يعد خيارًا مطروحًا للنقاش، بل أصبح ضرورة لا تقبل التأجيل. فالزمن لا ينتظر، والمنظومات المتقدمة لا تسمح بالتباطؤ، والواقع لا يجامل من فقدوا القدرة على مواكبة إيقاعه. وعليه، فإن على من استنفدوا رصيدهم السياسي أن يختاروا بين الخروج بكرامة، أو مواجهة حقيقة أن الزمن، كعادته، لن يتوقف عند أحد.