صوت العدالة- متابعة
احتضنت قاعة الاجتماعات الكبرى بمحكمة الاستئناف بقصر العدالة بالرباط يوم الاثنين 22 يوليوز 2024 اجتماع اللجنة الجهوية للتكفل بالنساء ضحايا العنف حول موضوع: ” الخبرات الطبية والجينية والتقنية ودورها في مناهضة العنف ضد النساء “
و قد ترأس هذا الاجتماع السيد الوكيل العام للملك الأستاذ عبد العزيز راجي، بحضور رئيسة الخلية الجهوية للتكفل بالنساء ضحايا العنف الأستاذة لمياء بن سلامة النائبة الأولى للوكيل العام للملك و نواب وكلاء الملك رؤساء الخلايا المحلية لدى المحاكم الابتدائية التابعة لدائرته القضائية، وقضاة الأحداث و قضاة التحقيق و المساعدات و المساعدين الاجتماعيين بها ، و كذا ممثلي الخلايا بمصالح الأمن الوطني و الدرك الملكي و ممثلين عن قطاعات حكومية و مؤسسات و هيآت أخرى، كوزارة التضامن و التنمية الاجتماعية والمساواة و الأسرة و المندوبية الجهوية للصحة و المنسقية الجهوية للتعاون الوطني بالرباط و المركز الوطني محمد السادس للمعاقين و قطاع المغاربة المقيمين بالخارج بوزارة الخارجية و نقابة هيأة المحامين بالرباط و الهيأة العليا للسمعي البصري و مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء و مجلس الجهة و الرابطة المحمدية للعلماء و المرصد الوطني لحقوق الطفل و رئيسة قسم الطب الشرعي بمستشفى ابن سينا بالرباط و رئيسة المختبر الوطني للشرطة العلمية و التقنية بالدار البيضاء و رئيس معهد التحاليل الجينية للدرك الملكي بالرباط ، بالإضافة إلى رؤساء و ممثلي جمعيات فاعلة في مجال التكفل بالنساء ضحايا العنف.
و في كلمته الافتتاحية، رحب السيد الوكيل العام للملك بالأعضاء المشاركين في هذا الاجتماع و شكرهم على تفاعلهم و انخراطهم الجاد للتصدي لظاهرة العنف ضد النساء ؛ ثم ذكر بسياق هذا الاجتماع الذي تمحور حول موضوع : ” الخبرات الطبية والجينية والتقنية ودورها في مناهضة العنف ضد النساء ” ، مشيرا الى وجود مبرر قوي لاختيار هذا الموضوع لما له من أهمية في مناهضة العنف ضد النساء و لوجود ارتباط وثيق بين القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء و القانون 77.17 حول تنظيم ممارسة مهام الطب الشرعي ، لما تفرضه طبيعة العنف التي تمارس على المرأة و التي لا تقتصر فقط على العنف الجسدي بل على أشكال أخرى كالعنف الجنسي و العنف النفسي و العنف الاقتصادي. و أن خطورة هذه الجرائم تتمثل في ارتكابها غالبا في فضاءات مغلقة، مما يصعب اثباتها بواسطة وسائل الاثبات التقليدية و يقتضي اللجوء الى الخبرات التي تعتمد على وسائل حديثة للكشف عن الأدلة ، و هو الأمر الذي يستدعي الانفتاح على اختصاصات متنوعة للخبراء، تتنوع بين الطب الشرعي و خبراء في المجال الجيني و المجال التقني و التكنولوجي لإمكانية اثبات العنف ضد المرأة و الحيلولة دون افلات الجناة من العقاب .
و أضاف السيد الوكيل العام للملك أن ما يميز الخبير القضائي عن باقي مساعدي القضاء، كون هذا الأخير لا يمارس مهنة و انما مهمة، لأن المرجعية المهنية للخبير القضائي تختلف حسب مجال الاستعانة به من طرف القضاء . كما أشار الى الدور الهام الذي يلعبه كل من معهد العلوم و الأدلة الجنائية للأمن الوطني و معهد التحاليل الجينية للدرك الملكي اللذان يتم انتدابهما و الاستعانة بالخبرات العلمية التي يتوفران عليها لفك لغز الجرائم المرتكبة في حق النساء سواء في مرحلة الأبحاث التمهيدية او مرحلة المحاكمة . ثم أشاد في ختام كلمته، بالدور الفعال الذي يقوم به كل المتدخلين في قضايا العنف ضد النساء من مصالح الأمن الوطني و الدرك الملكي و المساعدين الاجتماعيين بكل القطاعات المعنية و كذا باقي الهيآت و فعاليات المجتمع المدني لتحقيق تكل ناجع بالمرأة ضحية العنف .
و في مداخلتها أوضحت الأستاذة لمياء بن سلامة رئيسة الخلية الجهوية أنه و أمام تطور فكر الاجرام و حرص بعض الجناة على إخفاء الآثار المادية للجريمة و اعتمادهم على وسائل تقنية حديثة في الاعتداء على النساء، بات من الضروري استعانة أجهزة البحث و التحقيق يالوسائل العلمية الحديثة للوصول الى أدلة جنائية كافية تحدد هوية الجناة و تحول دون افلاتهم من العقاب. و أضافت أن الخبرات الطبية التي ينجزها الطبيب الشرعي و كذا الخبرات الجينية و التقنية التي ينجزها خبراء في هذا المجال تساهم في اجلاء الحقيقة و الكشف عن طبيعة الجرائم المرتكبة في حق المرأة . تم تطرقت من خلال العرض التمهيدي الذي قدمته حول موضوع الاجتماع، الى القانون 77.17 باعتباره الاطار التشريعي الذي ينظم ممارسة مهنة الطب الشرعي و كذا الى القانون 45.00 الذي يضفي على الأطباء الشرعيين صفة الخبراء القضائيين باعتبارهم مساعدي القضاء من خلال المهام التي يؤدونها في سبيل تحقيق العدالة الجنائية . ثم أشارت الى الدور الهام الذي يلعبه الطبيب الشرعي في مناهضة كل أشكال العنف في حق المرأة ، نظرا لموقعه الجوهري داخل وحدات التكفل بالنساء ضحايا العنف على مستوى المستشفيات العمومية و ذلك سواء من خلال مجموع الخدمات التي يقدمها للضحية عند تقدمها مباشرة أمام الوحدات المذكورة للتبليغ عن العنف الذي تعرضت له أو من خلال الخدمات التي يقدمها للعدالة الجنائية في اطار أوامر الانتداب و الأوامر بإجراء خبرة التي تحال عليه من طرف أجهزة العدالة الجنائية . و في ذات السياق ذكرت بدورية السيد رئيس النيابة العامة عدد 24 س/ ر ن ع و تاريخ 09/06/2020 حول تنظيم ممارسة مهام الطب الشرعي التي دعا فيها قضاة النيابة العامة على تفعيل مقتضيات القانون وفق إرادة المشرع و كذا مذكرة العمل الداخلية عدد 01/2023 و تاريخ 10/02/2023 التي وجهها السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط الى السادة ممثلي النيابة العامة بمحكمته يحثهم فيها على الحرص على انتداب الأطباء الشرعيين المنتمين لوحدة الطب الشرعي بمستشفى ابن سينا للقيام بالفحوصات و التشاريح الضرورية بمناسبة اشرافهم على الأبحاث الجنائية كلما اقتضى الأمر ذلك. ثم عرجت في عرضها على دور الخبرة الجينية في الكشف على الجناة حسب طبيعة العنف الممارس على المرأة الضحية و وضعيتها، باعتباره أحد الأدلة العلمية الذي يساهم في الكشف بكل دقة عن هوية مرتكبي الأفعال الاجرامية و كذا الضحايا، و ذلك بفضل الحمض النووي الذي يشكل دليل نفي او إثبات قاطع بنسبة مئة بالمئة ، و أشارت الى نصوص قانون المسطرة الجنائية التي تخول للنيابة العامة و باقي الجهات القضائية المختصة الاستعانة بأهل الخبرة لتحديد فصيلة البصمات الجنائية و كذا الى القرار الصادر عن محكمة النقض بغرفتين مجتمعتين بتاريخ 22/06/2021 الذي قضى أن ” الخبرة الجينية هي دليل علمي و حجة علمية لا يتسرب الشك الى مدى قوتها الثبوتية لإثبات الجرائم، و أن محكمة الموضوع من خلال اعتمادها على تقرير الخبرة الجينية تكون قد مارست السلطة المخولة لها قانونا في تأويل و تفسير النص القانوني في ضوء المستجدات و الاكتشافات العلمية الحديثة، التي أصبح معها الدليل العلمي وسيلة اتباث قطعية لا يمكن للمنطق السليم ان يتغاضى عنه متى كان حاسما”، ثم أشادت بالمجهودات الكبيرة التي يقوم بها كل من مختبر العلوم و الأدلة الجنائية للأمن الوطني و معهد التحاليل الجنائية للدرك الملكي في سبيل تحقيق العدالة الجنائية بصفة عامة و في مناهضة العنف ضد النساء بصفة خاصة من خلال الخبرات الجينية التي يشرفان عليها في اطار المهام المسندة اليهما من طرف السلطات القضائية المختصة و التي تعكس التجربة الطويلة التي راكمها خبراء المعهدين و تمرس أطرها في الجوانب التقنية و العلمية للخبرة الجينية.
و في ختام عرضها تطرقت الأستاذة بن سلامة الى أهمية الخبرة التقنية في الكشف عن مرتكي جرائم العنف الرقمي بكل أشكاله في حق المرأة باعتباره وجها حديثا للعنف المبني على النوع الاجتماعي ذو آثار وخيمة على الضحية .
و قد قدم كل من رئيسة المختبر الوطني للشرطة العلمية و التقنية السيدة حكيمة يحيى و مدير معهد التحاليل الجينية للدرك الملكي السيد محمد بوخرطة عرضا بهذه المناسبة، حيث أبرز كل منهما المجهودات المبذولة من طرف المعهدين في سبيل مساعدة العدالة الجنائية من خلال التخصصات المتوفرة بهما و الأطر البشرية العاملة بهما، و تطرقا الى أنواع الخبرات المنجزة من طرف المعهدين في قضايا العنف ضد النساء و عززاها باحصائيات ذات الصلة، كما استعرضا حالات مختلفة لنساء تعرضن للعنف و أبرزا أوجه تدخلهما العلمي في المجال لكشف الأدلة الجنائية المطلوبة و فك لغز الجرائم المرتكبة في حقهن. كما ألقت الطبيبة الشرعية الدكتورة فضيلة آيت بوغيمة رئيسة قسم الطب الشرعي بمستشفى ابن سينا مداخلة في صلب الموضوع، أبرزت من خلالها الخدمات التي يقدمها الطبيب الشرعي في سبيل التكفل بالمرأة ضحية العنف من خلال المهام التي أسندها اليه القانون 77.17 و المجهودات التي تبذلها مصلحة الطب الشرعي بمستشفى ابن سينا بالرباط من خلال الاستجابة الفورية للانتدابات الموجهة اليها في قضايا العنف ضد النساء من طرف السلطات القضائية المختصة في سبيل مساعدة العدالة.
و قد شهد الاجتماع مداخلات هامة من طرف مجموعة من المتدخلين، أكدوا من خلالها على أهمية الخبرات العلمية في تحقيق عدالة جنائية للمرأة ضحية العنف، دون اغفال أهمية الخبرة النفسية خلال مسار التكفل بها ، داعين الى ضرورة تظافر الجهود للتصدي لظاهرة العنف، و مؤكدين على انخراطهم الجاد لمناهضتها .