بقلم عزيز بنحريميدة
في ظل الارتفاع المطّرد للأسعار وما يواكبه من ضغوط اجتماعية واقتصادية خانقة، تتعالى الأصوات داخل الأوساط القضائية والحقوقية مطالبة بضرورة رفع أجور السادة القضاة، باعتبار ذلك مدخلاً أساسياً لتحصينهم اجتماعياً وضمان استقلالهم المهني. فالقاضي الذي يُفترض فيه أن يكون صامداً في وجه كل المغريات والضغوط، لا يمكن أن يظل أسيراً لواقع مادي متذبذب يتنافى مع جسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقه.
المطلب لا يقف عند حدود الزيادة في الأجر الأساسي، بل يمتد إلى معالجة ثغرات عميقة يعيشها القضاة في صمت، على رأسها غياب أي تعويض عن الساعات الإضافية التي يقضونها في مكاتبهم بعد انتهاء الدوام الرسمي. فالكثير من القضاة يجدون أنفسهم مضطرين لمواصلة الجلسات والمداولات وكذا متابعة القضايا المكدسة إلى ساعات متأخرة من الليل، دون أن يقابل ذلك أي تقدير مادي أو معنوي. الأمر الذي يُنظر إليه على أنه حيف مهني يضعف من معنوياتهم ويُشعرهم بعدم الإنصاف.
إضافة إلى ذلك، يطرح العديد من المتابعين للشأن القضائي فكرة جديدة تستحق النقاش، وتتمثل في إمكانية تخصيص تعويض نسبي للقضاة عن المبالغ الضخمة التي يحكمون بها لفائدة خزينة الدولة ويتم فعلاً تحصيلها. فالقاضي الذي يسهر على ملفات معقدة تتعلق بالمال العام، ويُعيد عبر أحكامه ملايين الدراهم إلى الخزينة، يقوم بعمل يعادل في أهميته مهام كبرى داخل أجهزة الدولة. ومن ثمة فإن تخصيص نسبة مئوية ولو رمزية من هذه الأموال لفائدته كتحفيز، سيكون خطوة عملية للاعتراف بمجهوده وتعزيز حافزيته، مع الحفاظ في الوقت نفسه على مبادئ النزاهة والشفافية.
هذه المطالب لا تنفصل عن الرؤية الأشمل لإصلاح منظومة العدالة، والتي تقتضي الارتقاء بالوضعية الاجتماعية والمهنية للقضاة، سواء عبر الأجر الأساسي أو التعويضات، أو عبر توفير بيئة عمل ملائمة تُمكّنهم من أداء رسالتهم في ظروف تليق بقدسية المهام. فالقاضي الذي يتمتع بالاستقرار المعيشي والمعنوي، هو وحده القادر على مواجهة الضغوط والإغراءات، وصيانة صورة العدالة ناصعة كما نص عليها الدستور وتترقبها تطلعات المجتمع.
إن المطالبة برفع أجور القضاة وتعويضهم عن ساعات العمل الإضافية، بل والتفكير في تعويضات مرتبطة بالجهود المبذولة لحماية المال العام، ليست ترفاً مهنياً، وإنما هي رهان استراتيجي لضمان استقلال القضاء وتحصين الدولة من أي اهتزاز في ميزان العدالة،

