الرئيسية أخبار القضاء القاضي إنسان قبل أن يكون رجل قانون..

القاضي إنسان قبل أن يكون رجل قانون..

IMG 20200518 WA0178
كتبه كتب في 19 مايو، 2020 - 3:36 صباحًا

الرحمة فوق العدل.. شعار الإنسانية الذي طبقه هذا القاضي الإنسان..والذي كان حديث المحاكم المغربية كلها ومواقع التواصل الاجتماعي .. والتى تحدثت كلها عن واقعة الإعتداء الذي تعرض له السيد نائب وكيل الملك بطنجة من طرف عنصرين من القوات المساعدة و اللذان جرى وضعهما تحت تدابير الحراسة النظرية قبل تقديمهما إلى النيابة العامة قبل أن يقرر السيد النائب تقديم تنازله عن الشكاية في بادرة تنم عن إنسانية هذا القاضي وعدله..

ففي الوقت الذي رأى فيها بعض القضاة عبر صفحاتهم المغلقة إهانة للجسم القضائي قاطبة و أن التنازل فيه نوع من تقبل الإهانة يرى البعض الاخر أن العفو عند المقدرة، من الخلق الإسلامي الرفيع، إذ انّ الإسلام لم يترك مزية حسنة يمكن أن يتصف بها الإنسان إلا اتى بها، ، والعفو عند المقدرة أعظم منة يمن بها صاحب القدرة على المعفو عنه، فصنع الجميل، والخلق الطيب، والتخلق بالأخلاق الفاضلة كلّ هذه الأمور وما شاكلها تجعل من الإنسان إنساناً كاملاً حاز رضا الله سبحانه، وشكر عباده ومحبتهم.

والعفو عند المقدرة هو أمر عظيم، إذ انّ الصفح والعفو سهل يسير، خصوصاً بعد أن يصبح المناوىء لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، وهو يرى أسباب الهلاك بعينه، وليس له وسيلة إلا استعطاف خصمه الظافر فإذا أحسن إليه وعفا عنه، يرى ذلك بدء حياة جديدة ويرى من فضل خصمه أنّه خاف الله، أو حاسب نفسه فأنقذه بعد أن كان معرضاً للهلاك، فيكون والحالة هذه حافظاً لمن صفح عنه، وحاملاً له لواء المدح والثناء ومخلصاً له بكلّ معاني الإخلاص، فهو مقيد بجميل صنع صاحب العفو ، وهذا لا يحتاج إلى بيان أو مزيد من البرهان. قال سبحانه وتعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصّلت/ 34). وكان يقال: أحسن أفعال القادر… العفو، وأقبحها… الانتقام. وكان يقال: ظفر الكريم عفو، وعفو اللئيم عقوبة. كما قال رسول الله (ص): “إنّ العفو لا يزيد العبد إلا عزاً فاعفوا يعزكم الله، وقال (ص): “ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة: العفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، والإحسان إلى من أساء إليك، وإعطاء من حرمك”. وعنه (ص) انّه قال: “من عفا عن مظلمة صغيرة أو كبيرة فاجره على الله ومن كان أجره على الله فهو من المقرّبين يوم القيامة”.

ولعل الكم الكبير من المكالمات و الاتصالات التي تلقاها السيد نائب وكيل الملك بطنجة قد جعلته يفكر إنسانيا و عاطفيا في مصير من إعتدوا عليه ومصير عائلاتهم وما ينتظرهم من عقوبات قانونية و هو رجل قانون قضى نصف عمره بالعمل القضائي…

فمكالمة السيد عامل الإقليم و السيد الجنيرال و كبار المسؤولين من مختلف الأجهزة قد أعادت للسيد النائب إعتباره و حفظت ماء وجهه و عادتنا نحن المغاربة و تقاليدنا تجعل كل ما نتعرض له من إعتداءات و إهانات تذوب بمجرد كلمة إعتذار و تدخل كبار السن من الأهل أو الجيران و الذين نستحي أن نخيب رجاءهم و وساطتهم وهذا هو طبعنا نحن المغاربة الذي لن نفرط فيه مهما سما وضعنا الإجتماعي و مركزنا الوظيفي فالكل أجمع على إستنكار السلوك الهمجي الذي تعامل به عنصري القوات المساعدة مع السيد النائب بداية من رؤسائهم المباشرين و كبار المسؤولين بمختلف الأجهزة التي اتصلت لتطمئن على صحة الأستاذ جسديا و نفسيا للرفع من معنوياته والتي لا يمكن إلا أن تقطع دابر الذين يريدون أن يصطادوا في الماء العكر خصوصا أن كل السلط و الاجهزة اليوم هي في خندق واحد تجابه الوباء الفتاك كل حسب اختصاصاته ….

قد نعذر السادة القضاة بإنزعاجهم و تذمرهم من مثل هذه السلوكيات التي تمس بهيبتهم ووضعهم الاعتباري كسلطة قضائية تستوجب الاحترام والتقدير لكن ما وجب التنبيه له أنه لا يمكن أن نعتبر حالات شاذة و معزولة أن تؤثر على علاقات الاحترام التي تطبع و تحكم جميع أجهزة الدولة حسب تراتبيتها التي شرعها القانون و الدستور كما لا يمكن بتاتا القبول بتكرار مثل هذه الممارسات التي تضع هيبة الجهاز القضائي على المحك…

لتبقى الرسالة التي قدمها اليوم السيد النائب في هذه الأيام المباركة هي أننا يجب أن نحكم العقل و نستحضر الجانب الديني و الإنساني فالقاضي إنسان قبل أن يكون رجل قانون بعيدا عن كل تأويلات مغلوطة أو ضغوطات فنذها خصومه قبل زملائه، فهو فرد من المجتمع لا يمكن أن يكون بمعزل عن حالات شاذة يمكن أن يتعرض لها غيره من المواطنين بإختلاف مناصبهم ومراكزهم و سيشهد التاريخ أن صدر القضاة رحب، رحيم،فكيف لهم أن يعدلوا و سلوكهم يطبعه الإنتقام و إستغلال منصبهم وهو ما تتحينه العديد الجمعيات التي تريد أن تصطاد في الماء العكر و تزرع نعرة الفتنة بين الأجهزة و تبث روح الانتقام يكون فيها الخاسر اولا هو الوطن الذي يضحي الجميع تحت لوائه خلال هذه الظرفية العصيبة التي يمر منها العالم برمته.

بقلم عزيز بنحريميدة

مدير نشر جريدة صوت العدالة

مشاركة