ما بين معارض و مؤيد في بلدنا للفن الحالي و خصوصا في مجال الغناء، الذي يعتبر لغة صوتية يعبّر بها عن المشاعر و الأحاسيس التي تحاكي الذوق العام.
و بعدها عرف الانسان انه يملك قدرة هائلة على ترقيق صوته أو مده والانتقال به من طبقة صوتية الى اخرى. ولعله اولاً قلد وحاكى الطيور التي تصدر اصواتا تسليه وتمتعه. ثم عرف انه هو ايضا يستطيع بصوته ان يطرب نفسه، وان يعبر به عن دواخله.
و في الامس القريب كان يعتبر الغناء فنا جميلا،تعبر به الشعوب عن حزنها و فرحها،من خلال صوت مميز لفنان راقي يتمتعى بجمهورية و عظمة. تجعله قريبا لقلوبهم اكثر من الحاكم و السياسي.بمجرد سماعه في الإذاعة او سهرة أسبوعية في قناة تلفزية وحيدة.
اما الان فلقد تدهور الفن، و تدنى الذوق الموسيقي ،و كثر المغنين و تراكمت القنوات و الإذاعات دون اي فائدة فنية او غاية ثقافية، غير الربح و التلاعب بالافكار و الصور الهدامة، و بتدهور
المجتمعات العربية ، مع تدهور الموسيقى العربية لانها من أحد الأسباب المهمة، و في النظر إلى هذا الموضوع بعمق يفسر الارتباط المعروف من دراسة تأثير الموسيقى على البشر أنها ذات تأثيرات مختلفة على نفسية الإنسان وصحته الجسدية والعقلية. وكما يعلم الكثيرون فإن صناعة السينما والإعلام الموجه تعتمد على إدخال الموسيقى فيها لكي تزيد التأثير. وحتى في الممارسات الاجتماعية والدينية تكون الموسيقى حاضرة لتؤثر على الجموع. وبالنظر إلى معادلة: موسيقى واعية تعطي شعبا واعيا، فإننا نجد معادلة: موسيقى هابطة تعطي شعبا هابطا. هذه المعادلة مستعملة في كل دول العالم هذه الأيام وبالبحث والتدقيق توصلنا إلى هذا الاستنتاج.
لو نظرنا إلى المنحنى الزمني لتدهور الوضع العربي وقارناه بتدهور الموسيقى العربية، نجد علاقة طردية. كلما تدهورت الموسيقى، تدهور المجتمع وأصبح استغلاله والتلاعب به أمرا سهلا لمن يريد العبث بالمجتمعات وطمس هويتها وإعطاءها صفة التبعية في كل شيء.
و بعد فقدان الركائز مع موت كبار الموسيقيين العرب من الجيل القديم، وقلة ممارسة الموسيقى القديمة، أصبح الجهل الموسيقي يستفحل واستولى على قيادة الموسيقى العربية شخصيات كانت السبب في التأخر أكثر وأكثر.
و لا ننكر وجود أصوات مميزة،خصوصا في بلدن و منهم أشخاص مقربين لي يتمتتعون بصوت خلاب و ذوق طربي رائع، حاول التشبت بالفن الراقي رغم الإغرائات الموجهة اليهم التي كانت ستجعلهم من مشاهير الساحة، لكنهم رفضوا من اجل الفن الحقيقي. انها” فاطمة الزهراء القرطبي” الفنانة المثقفة مهندسة الطيران و خريجة المعهد العالي للموسيقى، تقول دائما انها ترفض اي لون خارج عن الطرب و انها لن تلوث صوتها و سمعتها تحت مسمى الفن الشبابي، رغم ان ظهورها قليل على التلفزيون الا انها تكتفي بالمهرجانات الفنية الثقافية داخل و خارج المغرب، و لا ترغب بشهرة تجعلها تتنازل عن مبدئها الفني، و ايضا الفنان الرائع “بدر الرامي” المغربي من أصول سورية ، لم يتنازل عن الذوق الموسيقي الطربي،و لم يغتر بما يوجد بالساحة الفنية، و حاول صناعة نفسه بنفسه
بعيدا عن ضوضاء ما تعيشه الساحة حاليا، اكتفى ان يكمل مسيرة العظيم صباح فخري، بكل فخر و تفاني.
و في حالة اخرى كان لي لقاء صدفة مع فنانة شاملة اسمها “ليناالداية”عمرها 25 سنة مجازة في الادب الانجليزي و حاصلة على دبلوم التدبير و التسيير السياحي، لكن حبها للفن جعلها تتجه الى المعهد الموسيقي، و تكتفي بممارسة فنها في الفنادق و الأماكن السياحية بمراكش، بعيدة عن الاضواء و الشهرة، رغم انها بدئت مسيرتها مع “خولة مجاهد”الفائزة بلقب ذَا فويس رفقة المبدع كاظم الساهر. و تضيف”لينا” ان عدم مشاركتها في هذا البرنامج او غيره سببه انها لا تريد التخلي عن عزفها للقيتارة و الاكتفاء بالغناء فقط،و انها لا تتوفر على مدير اعمال يساعدها على الشهرة دون تنازلات ، و انها متاكدة ان ما تقدمه لن يلقى إعجاب المغاربة الذين تستهويهم الاغاني و الموسيقى الموجودة حاليا. و عندما سألتها اي تجدين نفسك بعد عشر او خمسة عشر سنة؟؟؟هل ستستمرين بممارسة فنك في هذه الأماكن فقط ام انك ترين الشهرة قريبة؟؟؟تقول انها لا تنتظر الشهرة و لا ترغب بها وأنها ربما ستغير اتجاها لتضمن لنفسها مدخولا قارا، اما بشهاداتها او اي شيء اخر غير الفن.
و في النهاية اقول انه علينا ان نعود بالنهوض بالموسيقى العربية،و النهوض بمجتمع جديد يحافظ على هويتنا وكرامتنا. فقد قلدنا الغربيين بكل شيء ووصلنا إلى طريق مسدود،ولم نعد نعي طريق الرجعة إلى الجذور. صحيح أن تطور المجتمعات يكون بالنظر إلى الأمام، إلى المستقبل، ولكن في الموسيقى يحصل العكس. إذا أردت موسيقى واعية و شعبا واعيا فإنه عليك بالرجوع إلى الطور القديم لما فيه من كنوز وعلوم ومعارف تستفيد منها مئات الأجيال بعدنا.
الفن في المغرب يتدهور…
كتبه Badr كتب في 16 أبريل، 2018 - 3:59 مساءً
مقالات ذات صلة
9 يناير، 2025
” مكاسب الدبلوماسية الملكية الحكيمة تكريس لتسريع وتيرة الطي النهائي لملف النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية “
بقلم الأستاذ/ الكاتب الحسن لحويدك رئيس جمعية الوحدة الترابية بجهة الداخلة وادي الذهب. بناء على العديد من المعطيات ، شهدت [...]
8 يناير، 2025
مستوصف تراست … 10 صباحا انتهى العمل ،و المرفق محجوز
رشيد أنوار / صوت العدالة مجرد الوقوف امام باب المستوصف الصحي بحي تراست التابع لجماعة انزكان ” من اغنى جماعات المغرب ” تجد نفسك في حيرة هل فعلاانت انسان قبل ان تكون مواطن !! اكتضاض وتدافع للحصول على رقمك الذي يخول لك الاستفادة من حق الصحة ، وشرف لقاء طبيب ، وان لم يحالفك الحظ في الحصول على رقم قبل الأربعين ، او عدد محدد حسب مزاج الطبيب و حالته [...]
6 يناير، 2025
العلاقات الاجتماعية: هندسة النجاح الخفية
.بقلم…معاذ فاروق حين نتأمل الحياة في عمقها، ندرك أن الإنسان ليس مجرد كائن عابر في محيطه، بل هو نسيج من [...]
5 يناير، 2025
لماذا لا نقرا ، والمستقبل سوف تقوده الشعوب القارئه ؟؟
بقلم..محمد الموستني قد نطرح السؤال التالي لماذا لا نقرا ؟ اليس لدينا الوقت لنقرا؟ ام لا نريد ان نقرا؟هذا السؤال [...]