بقلم : سعد ميكو .
باحث في الشؤون الجنائية و الأمنية
تقديم :
في إطار نهج استباقي وأمني بالدرجة الأولى ، يعتمد على مقاربة شمولية ومندمجة ، ترتكز على تأهيل العنصر البشري للجمارك المغربية ، المكون علميا و أخلاقيا ورياضيا ونفسيا من أجل الحفاظ على الأمن الاقتصادي للمملكة المغربية الشريفة تحت القيادة الرصينة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله .
عملت إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة على إستحداث ” الفرقة الوطنية للجمارك ” ، مهمتها مكافحة الجرائم الجمركية ذات الطابع المعقد و التقني و التتبع و الثثبت من وقوعها و إلقاء القبض على مرتكبيها وتقديمهم إلى العدالة في إطار القانون و ضمانات المحاكمة العادلة ( مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة الراجعة لإدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة ، قانون المسطرة الجنائية، القانون الجنائي ، النصوص الجنائية الخاصة(.
وهي فرقة تابعة لإدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة ، مديرية الوقاية و المنازعات المنضوية تحت لواء وزارة الاقتصاد والمالية.
أولا: التأطير القانوني لأعمال الفرقة الوطنية للجمارك.
ثانيا : خصوصية الصفة الضبطية لعناصر الفرقة الوطنية للجمارك
ثالثا : القوة الثبوثية لمحاضر الفرقة الوطنية للجمارك.
أولا : التأطير القانوني لأعمال الفرقة الوطنية للجمارك .
صدر بتاريخ 13 غشت 2018 ، قرار مديري صدر عن ” المدير العام لإدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة” ، تحت عدد 5835 / 511 , نص بموجبه على إحداث الفرقة الوطنية للجمارك المغربية وجعلها تابعة لمديرية الوقاية و المنازعات ، و التأكيد على أن اختصاصها الترابي شامل لمجموع التراب الوطني المغربي .
وجبت الإشارة في هذا الإطار أن الفرقة الوطنية للجمارك ، تتكون من أطر وأعوان يشتغلون بالإدارة العامة لإدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية ، هؤلاء الأطر و الأعوان ” حراس الجمارك – ضباط الجمارك – مفتشوا الجمارك ” ، سواء العاملين بهذه الفرقة أو الفيالق الجهوية ، عملهم الأساس هو التحري والبحث عن الجنح و المخالفات الجمركية ولما لا الجنايات المرتبطة بها ، وجمع الأدلة عنها و البحث عن مرتكبيها في إطار قانون مدونة الجمارك و القانون الجنائي و المسطرة الجنائية و النصوص الجنائية الخاصة ذات الصلة
ثانيا : خصوصية الصفة الضبطية لعناصر الفرقة الوطنية للجمارك.
استنادا لمقتضيات المادة 19 ق.م.ج ، تضم الشرطة القضائية يالإضافة إلى الوكيل العام للملك ووكيل الملك ونوابهما وقاضي التحقيق بوصفهم ضباطا سامين للشرطة القضائية :
* ضباط الشرطة القضائية .
* ضباط الشرطة القضائية المكلفين بالأحداث .
* أعوان الشرطة القضائية .
* الموظفون و الأعوان الذين ينيط بهم القانون بعض مهام الشرطة القضائية
وتأسيسا على مقتضيات المادة 22-1 من ق.م.ج كما تما تعديلها و تتميمها بمقتضى القانون 35-11.
يمكن إنشاء فرق وطنية أو جهوية للشرطة القضائية بمقتضى قرار مشترك لوزير العدل و السلطة الحكومية المشرفة إداريا على الفرقة .
تخضع هذه الفرق لتيسير النيابة العامة التي تشرف على البحث … ؛ .
في نفس الإطار نصت المادة 27 من نفس القانون ، يمارس موظفو وأعوان الإدارات العمومية و المرافق العمومية الذين تسند إليهم بعض مهام الشرطة القضائية بموجب نصوص خاصة هذه المهام حسب الشروط وضمن الحدود المبينة في هذه النصوص .
وبالتالي و ارتكازا على هذه النصوص القانونية فالفرقة الوطنية للجمارك تشتغل مراعاة لهذه المقتضيات القانونية لكن الإشكال كيف يتم اكتساب صفة الضابطة القضائية ؟ كجواب على الإشكال وتأسيسا على مقتضيات مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة يجب عليهم أن يتوفروا على ” وكالة عمل وأن يكونوا قد أدوا اليمين الخاصة بالأعوان محرري المحاضر استنادا للقانون ” هذه اليمين التي يتم تأديتها أمام النيابة العامة .
وتجدر الإشارة أن الصفة الضبطية لأعوان الجمارك وأطرها ليست عامة وشاملة بل مقتصرة فقط على المخالفات و الجنح الجمركية و الجرائم المرتبطة بها على عكس الاختصاص لضباط الشرطة القضائية التابعين للأمن الوطني أو الدرك الملكي
ثالثا : القوة الثبوثية لمحاضر الفرقة الوطنية للجمارك.
كل ماينجز من أعمال و إجراءات في إطار البحث التمهيدي ، يتم تضمينه في محاضر هذه الأخيرة التي تبقى لها حجيتها الثبوتية على مستوى توثيق كل ما يقوم به أطر الشرطة القضائية وأعوان الإدارة و أطرها الذين خول لهم القانون القيام ببعض المهام الخاصة في قوانينهم الأساسية و التي يقومون بها بصفة ضابط شرطة قضائية .
فالمحاضر التي يتم تحريرها في إطار البحث التمهيدي سواء أكان عادي أو تلبسي لها قيمتها على مستوى إثباث وضبط الفعل الجرمي ” محاضر إيقاف المشتبه فيهم – محاضر الحجز و التفتيش – محاضر الاستماع – محاضر الانتقال و المعاينة …؛ ” .
وقد لوحظ على أن هناك نصوص قانونية خاصة تتشدد في تحديد القيمة القانونية للمحاضر ، ومنها نصوص مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة الراجعة لإدارة الجمارك و الضرائب الصادرة بتاريخ ، ” 9 أكتوبر 1977 ” كما تما تعديلها و تتميمها. التي أعطت قيمة كبيرة وواسعة للمحضر الجمركي خصوصا إذا كان محررا من طرف عونين أو أكثر للإدارة .
إن مدونة الجمارك قلبت عبء الإثبات عندما جعلت من الأفعال المضمنة بالمحاضر الجمركية قرينة على ماورد فيها إلى أن يطعن فيها بالزور، وهذا لا شك فيه عبء كبير على المتهم ، ويضرب في العمق قاعدة المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته ، إن القاضي أمام المحاضر الجمركية وقوتـها الثبوتية لا يمكنه استبعاد ما ورد فيها من بيانات مهما كانت الأسباب ولو بدا له مصداقيتها محل شك، أو حتى الأمر بإجراء أي تحقيق بشأنـها للتأكد من صحتها، ومراقبة مصداقيتها، فالسلطة التقديرية تتقيد أمام هذه المحاضر وذلك بشكل يكاد يكون كاملا نظرا لقرينة الصحة التي منحت لها في مدونة الجمارك، ومن هنا فهي تعتبر أقوى المحاضر حجة في الإثبات الجنائي على الإطلاق، وأكبر قيد على حرية الإثبات ومبدأ الاقتناع القضائي السائد في مجال الإثبات الجنائي .
ومن الإجتهادات القضائية التي سارت في هذا الإتجاه نجد مثلا : قرار للمجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا – أكد على أن حجية المحاضر المحررة من طرف أعوان إدارة الجمارك موثوق بها فيما يخص الإثباتات المضمنة فيها وذلك طبقا لما ينص عليه الفصل 242 من مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة.
ومن بين التوجهات القضائية التي ذهبت كذلك في نفس الإطار نجد : قرار محكمة النقض، والذي ألزم محكمة الموضوع بعدم الخروج عن ما ضمن بمحاضر أعوان إدارة الجمارك، هكذا جاء في حيثيات هذا القرار: “…وحيث لئن كان للمحكمة كامل الصلاحية في تقدير حقيقة الوقائع ، وتقييم الأدلة المعروضة عليها انطلاقا من سلطتها التقديرية فإنه يتعين عليها أن تتقيد في ذلك بالحدود التي رسمها القانون ، وعليه فإنـها عندما قضت ببراءة المطلوب في النقض من جنحة حيازة سيارة دون سند صحيح وعدم الاختصاص في مطالب إدارة الجمارك من غير تطبيق منها لمقتضيات الفصل 238 من مدونة الجمارك التي تفرض قيام المسؤولية الجنائية لحائز البضاعة المرتكب الغش بشأنـها، وناقلها إلى أن يثبت إعفاؤه منها بالطروق
القانونية ، ومن غير اعتبار منها لمقتضيات الفصل 224 من نفس المدونة ، التي تجعل القرائن في ميدان الجمارك وسيلة إثبات لا يمكن النيل منها إلا بالإثبات الدقيق للقوة القاهرة ، سيما وأن المطلوب في النقض ضبط وبحوزته السيارة والأوراق المزورة المتعلقة بـها عندما قضت بذلك ، تكون من جهة خرقت القانون ، ومن جهة أخرى عللت قراراها تعليلا ناقصا وعرضته للنقض. ” .
إذن فمن خلال ما ذكر يتبدى بدون شك كيف أن المحضر الجمركي يتمتع بحصانة قانونية كبيرة ضد أي إجراء أو محاولة للطعن فيه إلا بطريق وحيد وهو الطعن بالزور ، بل إن حتى هذه المسطرة الأخيرة معقدة وصعبة وصعوبتها تنبع من الشكليات المعقدة التي جاءت بها المادة 244 التي نصت على أنه : يلزم الضنين الذي يريد الطعن بالتزوير في محضر ما أن يقدم التصريح بذلك شخصيا أو بواسطة وكيل يتوفر على تفويض تشهد بصحته السلطة المحلية إلى كتابة الضبط لدى المحكمة المرفوعة إليها القضية قبل الجلسة المعنية في الإستدعاء…..”.
هكذا وطبقا لهذا الفصل فالمتهم عليه أن يبادر إلى تقديم التصريح بالطعن بالزور شخصيا لدى المحكمة التي تنظر في قضيته، كما يمكنه أن يقدم التصريح بواسطة وكيل على أن يكون لهذ الوكيل، وكالة في الموضوع مصادق عليها من طرف الجهات المختصة.
إن مثل هذا المقـتضى لا يطرح إشكالا، في حالة وجود الشخص المتابع في حالة سراح ، أما إن كان في حالة إعتقال يصعب عليه شخصيا القيام بـهذا التصريح لدى كاتب الضبط لدى الـمحكمة المعروضة عليها القضية ، وكان من المستحسن أن يتم مد هذا الاختصاص ، ليشمل حتى كتابة الضبط لدى المؤسسة السجنية حتى يتمكن المعتقل بالطعن بالزور في المحضر الجمركي لدى هذه الكتابة.
أما فيما يخص مسألة الوكالة من أجل الطعن بالزور، فإنه في حالة الاعتقال يصعب إنجاز وكالة مصادق عليها من طرف السلطة المحلية لتواجد المتهم بالسجن، ولا يبقى لتحقيق ذلك سوى حل واحد هو استصدار إذن من الجهة المعروض عليها الملف ، إما قاضي التحقيق في حالة كون الملف مازال معروضا على قاضي التحقيق، أو هيئة الحكم التي تبت في الملف في حالة وصول الملف إلى مرحلة المحاكمة.
هذا الإذن يكون مضمونه السماح لعدلين بتلقي تصريح من المعتقل بالسجن من أجل تمكينه من تحديد من سيفوض له التصريح بالطعن في المحضر الجمركي وأضافت المادة 244 من مدونة الجمارك : “وفي اليوم المحدد للجلسة تسجل المحكمة التصريح وتحدد أجلا لمدة ثلاثة أيام على الأقل ، وثمانية أيام على الأكثر يلزم الظنين خلاله بأن يودع لدى كتابة الضبط، وسائل طعنه بالتزوير وأسماء وصفات ومساكن الشهود الذي يريد ان تستمع إليهم المحكمة”.
إن القانون الجمركي يقلص حتى من السلطة التقديرية للقضاء في منح أجل جديد للظنين ودون توجيه استدعاء جديد له بخصوص تصريحه بالطعن ، وطبعا مثل هذا التشدد فيه تغليب واضح لمصلحة إدارة الجمارك على حساب الطنين رغم أنه هو الأولى بالحماية سواء مسطريا أو موضوعيا.
كما أن الكثير من التساؤلات تثار حول المادة 246 التي تنص على أنه : ” عندما يحرر محضر ضد عدة أشخاص ويطعن فيه بالتزوير أحدهم أو عدد منهم فقط ، يجوز الاعتماد على المحضر فيما يخص الأخرين ما عدا إذا كان الفعل المطعون فيه غير قابل للتجزئة ومشتركا بين الأضناء الأخرين”.
يصعب في هذه الحالة التمييز، كما أنه يصعب الثقة في محضر ثبت زورية جزء منه ، ولم يكتف المشرع الجمركي بتعقيد مسطرة الطعن بالزور في المحاضر الجمركية ، بل إن كل متهم رفض طعنه بالتزوير يحكم القاضي عليه بغرامة لفائدة الخزينة العامة تتراوح قدرها بين 500 و 1500 درهم.
تم بحمد الله وقوته

