لطالما كانت مناسبة العيد في المغرب تجسيدا لروح العائلة والتواصل الإنساني، حيث يحرص الجميع على زيارة الأقارب والجيران لتبادل التهاني والفرح، في مشهد يعكس الدفء الاجتماعي. لكن مع مرور الزمن وتزايد تأثير التكنولوجيا، خاصة منصات السوشيال ميديا، بدأ العيد في المغرب يفقد بعضا من رونقه التقليدي. فلم يعد العيد كما كان سابقا، بل أصبح يقتصر في العديد من الحالات على رسائل إلكترونية وبطاقات معايدة عبر الهواتف الذكية، مما أثار تساؤلات حول تأثير هذه التحولات على الروابط الاجتماعية.
العيد في الماضي: لحظات حقيقية بين العائلة والجيران
في الماضي، كان العيد في المغرب مناسبة تعج بالحياة. يبدأ يوم العيد بصلاة الفجر، يليها تبادل الزيارات العائلية التي تعكس الترابط بين أفراد المجتمع. كانت العائلات تجتمع، وتستقبل بعضها البعض بالتهاني، وتتناول الشاي والقهوة مع الحلوى المنزلية. وكان الأطفال يلبسون أجمل ملابسهم، ويذهبون مع عائلاتهم لزيارة الأجداد، مما يعزز أواصر العلاقة بين الأجيال.
اليوم، لم يعد الحال كما كان. مع بروز مواقع مثل “واتساب” و”فيسبوك”، أصبح الكثيرون يعتمدون على هذه المنصات لإرسال تهاني سريعة، ما يختصر في بضع كلمات، وبدون التفاعل الفعلي بين الأفراد.
محمد، شاب ثلاثيني من مدينة الدار البيضاء، يعبر عن هذا التحول قائلا:
“في السابق، كنا نستعد منذ الصباح لزيارة الأجداد، وكان ذلك بمثابة طقس جميل، أما الآن، يكفي أن أرسل رسالة عبر واتساب وأعتبر أنني أديت واجب المعايدة، فالجميع يفعل ذلك.”
السوشيال ميديا وتأثيرها على العلاقات العائلية
الانتقال إلى المعايدات الرقمية ليس مقتصرا على الشباب فقط، بل انتشر بين مختلف الأعمار، بما في ذلك كبار السن الذين أصبحوا يعتمدون على الهواتف الذكية للبقاء على تواصل مع أبنائهم وأحفادهم الذين قد يكونون بعيدين بسبب العمل أو الدراسة.
لكن في المقابل، هناك من يرى أن هذا التحول التكنولوجي أضعف الروابط العاطفية بين الأفراد. فقد أصبحت التهاني قصيرة وعملية، تخلو من العناق والمصافحة اللذين كانا يشكلان جزءا مهما من اللحظات الاحتفالية.
أحمد، أستاذ في الخمسينيات من عمره، يقول:
“مع ظهور السوشيال ميديا، أصبح العيد يفقد نكهته. التهاني عبر الإنترنت لا تحمل نفس الأحاسيس التي كانت تصاحب الزيارة المباشرة. هناك شيء مفقود في هذه الطريقة.”
هل تقتل السوشيال ميديا روح العيد؟
يرى البعض أن السوشيال ميديا قد تساهم في تقليص التواصل الحقيقي بين الناس، وأن العيد الذي كان في الماضي يتميز بالأجواء العائلية الحميمية أصبح اليوم مجرد مناسبة “افتراضية”. وأشار العديد من علماء الاجتماع إلى أن الأطفال، خاصة في المدن الكبرى، أصبحوا أكثر تعلقا بالأجهزة الإلكترونية والألعاب الرقمية، مما يقلل من اهتمامهم بالاحتفالات الجماعية.
لكن في المقابل، يعتبر البعض أن السبب وراء هذا التحول ليس التكنولوجيا فقط، بل نمط الحياة السريع، والضغوط الاقتصادية، والتغيرات الاجتماعية التي تشهدها المملكة، مثل الهجرة الداخلية أو الخارجية.
جهود لإحياء تقاليد العيد في المغرب
بالرغم من هذا التغيير، فإن العديد من الأسر المغربية لا تزال متمسكة بالعادات التقليدية. إذ يتم تنظيم لقاءات عائلية خاصة، وتبادل الحلوى، وزيارة الأقارب والجيران، في محاولة لإبقاء الروح العائلية حية.
خديجة، أم لثلاثة أطفال، تقول:
“أحرص على أن يشارك أطفالي في الزيارات العائلية خلال العيد، فلا يجب أن يكون العيد مجرد رسائل نصية، بل لحظات حقيقية تقوي العلاقات.”
وقد ظهرت أيضا بعض المبادرات المجتمعية التي تدعو إلى تقليل استخدام الهواتف الذكية خلال أيام العيد، وتعزيز التواصل وجها لوجه بين أفراد العائلة.
مستقبل العيد في المغرب: مزيج بين التقليدي والتكنولوجي
من المستحيل أن نتخيل العيد في المغرب دون تأثير التكنولوجيا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكننا الجمع بين العالمين؟ كيف يمكننا استخدام السوشيال ميديا لتسهيل المعايدات دون أن تكون بديلا عن اللقاءات المباشرة؟ قد يكون الحل في الاستفادة من التكنولوجيا لتنظيم لقاءات أسرية، والتواصل مع من لا يمكنهم الحضور بشكل شخصي، دون أن نفقد قيمة اللقاءات المباشرة والتفاعل الإنساني.
العيد في المغرب يبقى مناسبة مهمة لتعزيز العلاقات الاجتماعية والأسرية، وفي عصر التكنولوجيا، يجب أن نحرص على أن تظل هذه الروابط قوية، سواء عبر الشاشات أو في اللقاءات الواقعية.