صوت العدالة-بيان
تحتفل العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان باليوم العالمي لحرية الصحافة، الموافق للثالث من ماي من كل سنة، باعتباره لحظة رمزية وتعبيرية للدفاع عن حق الصحافيات والصحافيين في أداء رسالتهم النبيلة بكل حرية واستقلالية، وللتأكيد على أن لا حرية للمجتمع بدون حرية للصحافة.
إن هذا اليوم يشكل فرصة لتقييم واقع الصحافة والإعلام، والوقوف إلى جانب من حُرموا من حقهم في التعبير الحر، وأولئك الذين فقدوا حياتهم وهم يمارسون واجب نقل الحقيقة، كما يمثل مناسبة للتفكر الجماعي في الأخلاقيات المهنية وتحديات الإعلام في سياق عالمي ومحلي متغير، تطبعه التحولات التكنولوجية، والمخاطر الجديدة على حرية التعبير، والضغوط السياسية والاقتصادية المتزايدة على الصحافة المستقلة.
لقد أضحى واضحا أن الصحافة الحرة والمستقلة ليست ترفا يمكن تأجيله أو التغاضي عنه، بل هي خدمة عمومية أساسية، تشكل العمود الفقري لأي نظام ديمقراطي حقيقي. فحين يُسلب الصحافي القدرة على نقل الواقع بصدق، فإن المجتمع برمته يصاب بالوهن الحقوقي وتستهدف كرامته وينهار مجهوده من اجل خيار ديمقراطي أكد الدستور المغربي اعتباره واحداً من ثوابت الوطن الأصيلة.
٠ تضامن مع الصحافيين في فلسطين ومناطق النزاع
في هذا اليوم الرمزي، لا يسع العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان إلا أن تعبر عن تضامنها المطلق واللامشروط مع الصحافيات والصحافيين في فلسطين، الذين يواجهون أبشع أشكال الاستهداف المباشر من قبل الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتم استهدافهم بالقتل والقصف والتنكيل، فقط لأنهم ينقلون الحقيقة ويوثقون الجرائم المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني الأعزل.
إن ما يتعرض له الجسم الصحافي في غزة والضفة الغربية من تقتيل ممنهج وتدمير لمقرات وسائل الإعلام، هو جريمة حرب تضاف إلى سجل الاحتلال، ويعكس إصراره على إسكات الشهود ومنع نقل الحقيقة إلى العالم.
كما تعبر العصبة عن تضامنها مع الصحافيين في مختلف مناطق النزاع المسلح عبر العالم، ممن يعيشون تحت التهديد الدائم، ويضحّون بأرواحهم من أجل واجب نقل الحقيقة.
هؤلاء هم جنود الكلمة، الذين يواجهون الرصاص بالحقيقة، ويستحقون من المجتمع الدولي حماية قانونية خاصة، وإجراءات عاجلة لضمان أمنهم وسلامتهم.
٠حرية الصحافة في قلب المعركة من أجل الحقيقة
أصبحت مهنة الصحافة اليوم عرضة لأشكال متعددة من التضييق، تمتد من الرقابة الصريحة، إلى التهديد، فالملاحقات القضائية، وصولاً إلى الاغتيال المعنوي والمادي، ففي مناطق النزاع، تُدفع تكلفة حرية التعبير بالدم، فيما تعاني الصحافة في دول أخرى من مضايقات غير مرئية كـ: تكميم الأفواه والتضليل، والتحكم في وسائل النشر.
وفي ظل تطور الذكاء الاصطناعي، ظهرت تحديات جديدة تمس جوهر العمل الصحفي، عبر انتشار المعلومات الزائفة والمحتويات التضليلية والخوارزميات المتحيزة التي تساهم في تشويه الحقائق، أو المنع وهو ما تعاني منه على وجه التحديد الآراء والكتابات الصحفية ووسائل التعبير الفاضحة لجرائم الكيان الصهيوني، التي يتم نشرها على أكثر من منصة للتواصل الاجتماعي، حيث يتم حجبها أو تحذير صاحبها وفي بعض الأحيان إغلاق حسابات أصحابها.
كما أن الانتشار السريع للمحتويات عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون رقيب أو حسيب، أدى إلى تقويض ثقة الجمهور في الإعلام، مما يستوجب بناء إعلام مسؤول، قادر على استعادة هذه الثقة من خلال المصداقية والصرامة المهنية.
٠واقع حرية الصحافة بالمغرب: انتكاسات مقلقة
إن العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تسجل، بمرارة وقلق، استمرار تراجع مؤشرات حرية الصحافة بالمغرب، وتنامي الممارسات والأسباب الذاتية التي تقوض الحق في التعبير، وتفقد مهنة المتاعب أدوارها الرئيسية وعلى رأسها:
§ المتابعات القضائية للصحافيين خارج إطار قانون الصحافة والنشر، واللجوء المتزايد إلى فصول القانون الجنائي لمحاكمة الصحافيين في قضايا ذات طبيعة صحفية بحتة، وهو ما أشرنا إليه مراراً، خاصة في مضمون المذكرة الترافعية التي وضعناها أمام جل المؤسسات المعنية بحرية الصحافة سنة 2022؛
§ استخدام تهم مشينة كوسيلة لتأديب الأصوات المزعجة، وإخراس الصحافة المستقلة؛
§ سيطرة منطق الريع والإشهار السياسي والاقتصادي على تمويل المؤسسات الإعلامية، مما يهدد استقلالية القرار التحريري، ويحوّل الصحافة إلى وسيلة للترويج بدل مساءلة السلطة؛
§ تحول الصحافة إلى فضاء للهشاشة الاقتصادية والمهنية، وضعف التكوين الأكاديمي والتقني للعديد من المشتغلين فيها؛
§ غياب التضامن المهني بين الصحافيين، وتفشي ظواهر التشهير والعدوانية المتبادلة، مما يضرب في العمق الأخلاقيات المهنية وقيم الزمالة؛
§ سياسة التسامح مع التشهير واستفحال أزمة أخلاقية في قطاع الصحافة، بل إن من أخطر ما تعرفه الصحافة الوطنية اليوم هو بروز ما يمكن تسميته بـ”السياسة التسامح مع حملات التشهير”، حيث تُستغل بعض المنابر لتصفية الحسابات، أو لتبرير قرارات السلطة، أو لضرب المدافعين عن حقوق الإنسان، كما أن هناك مؤسسات إعلامية عمومية تمول من المال العام لكنها تُوظف لإنتاج محتويات موجهة بدل أن تلتزم بالمهنية والتعددية؛
§ ساهم ضعف التكوين الأكاديمي في فقدان الصحافي لعمقه التحليلي، وأصبح المشهد الإعلامي يعج بأقلام لا تملك الحصانة المعرفية، مما يؤثر على جودة المنتوج الإعلامي، ويزيد من هشاشة المهنة.
§ أصبح الخوف سمةً عامة تهيمن على الصحافيين، في ظل شعور دائم بالتهديد، والقلق من المتابعات القضائية، أو التهديد بالإفلاس المالي، أو التصفية المعنوية. كم أضحى الإغراء المالي والسياسي، آلية أساسية لإخضاع الصحافة، عبر تمويلات مشروطة أو حملات إشهارية موجهة.
٠التشهير ليس رأياً، والنقد الهدّام خطر على الديمقراطية
لقد تم التطبيع مع التشهير باعتباره شكلاً من أشكال التعبير، في حين أن التشهير، كما تعرفه المواثيق الدولية، يشكل مساً بالكرامة الإنسانية، وانتهاكاً للحياة الخاصة للأشخاص، ومسا خطيراً بمبدأ العدالة والإنصاف، خصوصاً حين يتم استباق الأحكام القضائية بالحملات الإعلامية المسيئة.
وإذا كان الرأي النقدي البناء ضرورياً لصحة المجتمع، فإن الرأي الذي يتحول إلى سب وقذف، وتحريض على الكراهية، لا يمكن إلا أن يندرج ضمن خانة الإجرام المهني والأخلاقي.
٠مطالب العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان
إن مناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، هي فرصة لنؤكد من خلالها على ما يلي:
- نطالب بوقف محاكمة الصحافيين بموجب القانون الجنائي، والاحترام التام لقانون الصحافة والنشر في جميع القضايا المرتبطة بممارسة الحق في التعبير؛
- ندعو إلى الاحترام الفعلي للدستور الذي يكفل حرية الرأي والتعبير، والامتناع عن أي استخدام للقضاء ضد الصحافيين؛
- ننادي بضرورة تطهير الإعلام العمومي من كل أشكال التوجيه والتحكم السياسي والاقتصادي، وجعل هذه المؤسسات فضاءً للتعددية والرأي المستقل؛
- نؤكد على أهمية تعزيز التكوين الأكاديمي والمعرفي للصحافيين؛
- نقترح إنشاء آلية وطنية مستقلة لمراقبة المحتوى الإعلامي ومنع التشهير، وتفعيل ميثاق الأخلاقيات كوثيقة ملزمة قانوناً ومهنياً؛
- نشدد على ضرورة الرفع من أجور الصحافيين وتحسين شروط عملهم، بما يضمن لهم الحد الأدنى من الكرامة والاستقلالية؛
- نراهن على ترسيخ قيم التضامن المهني بين العاملين في المجال، وإحياء روح الزمالة التي غابت تحت تأثير الانقسام والتفرقة؛
- نطالب بضمان الحق في الوصول إلى المعلومة وتيسير مهام الصحفيين دون عراقيل أو تهديدات؛
- ننبه إلى خطورة توظيف الذكاء الاصطناعي لنشر الكراهية والتضليل، وندعو إلى تنظيم قانوني وأخلاقي في هذا الصدد يراعي حقوق الإنسان ويحمي الحقيقة؛
- ندعو المجلس الوطني للصحافة إلى تحمل مسؤولياته في تأديب المخالفين لأخلاقيات المهنة، دون انتقائية أو تواطؤ؛
11 .نوجه انتباه الشركات المسؤولة عن إدارة مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن المضايقات والمنع الذي يتعرض له الصحفيات والصحافيون والمعبرات والمعبرين عن الرأي، بسبب منشوراتهم الفاضحة لجرائم الكيان الصهيوني، هو تورط مفضوح في تلك الجرائم ومصادرة مكشوفة للحق في التعبير الذي يعد واحدا من القيم التي تم التعاقد عليها مع رواد منصاتكم.
إن حرية الصحافة ليست امتيازاً ممنوحاً، بل حقا أصيلا من حقوق الإنسان، كما أن الدفاع عن الصحافة الحرة هو دفاع عن المجتمع الحر، وعن الديمقراطية، والعدالة، وكرامة الإنسان.
إننا في العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، وإذ نعلن عن تضامننا الكامل مع كافة الصحافيات والصحافيين الشرفاء، الذين يؤدون رسالتهم في ظروف صعبة، فإنا نجدد مطالبتنا بالإفراج عن كل من سُجن بسبب رأي أو عمل مهني صحفي. كما نؤكد عزمنا مواصلة النضال من أجل مغرب حر، قوي بمؤسساته، محصن بكلمة حرة، وبصحافة تُمارس دورها الرقابي دون خوف أو تبعية.