الرئيسية غير مصنف العدالة الرقمية وضمانات المحاكمة العادلة

العدالة الرقمية وضمانات المحاكمة العادلة

att.NEJck2aSIn3hKcmthKsLV zLLgdVKNk iumR0HZ7qCc
كتبه كتب في 19 سبتمبر، 2025 - 12:48 مساءً

من إعداد الطالبة الباحثة اميمة الحنفي

ماستر قانون الرقمنة والمعاملات الالكترونية

مقدمة

لم يعد بإمكان العدالة تجاهل التطورات التكنولوجية الهائلة التي اجتاحت مختلف جوانب الحياة، إذ بعد تبني العديد من الدول لنظام العدالة الرقمية، بدأت دول أخرى خطواتها – وإن كانت بطيئة – في هذا المجال، رغم أن ذلك يثير مخاوف تتعلق بالتحديات والعوائق التي قد تواجهها رقمنة مرفق العدالة، أو لافتقارها لبعض المتطلبات الأساسية لتنفيذها بنجاح.

وقد ظلّ نظام العدالة الرقمية في هذه الدول يعاني من بطءٍ شديدٍ في سير الإجراءات القضائية وخدمات المحاكم، مما زاد من معاناة المحامين الذين يُضطرون إلى التواجد في المحاكم يوميًا لإنجاز الاجراءات وحضور الجلسات، هذا البطء أدى إلى ازدحام وضغط كبيرين في المحاكم، حتى جاءت جائحة كورونا لتجتاح العالم بأسره وتفرض على جميع الدول، حتى المترددة منها والنامية، تبني قواعد التقاضي عن بعد ونظام العدالة الرقمية حرصًا على حقوق المتقاضين واستمرارا لعمل مرفق العدالة وحفاضا على سلامة الافراد.

وقد كانت سنة 1999 ميلاد فكرة التقاضي عن بعد في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في مجال منازعات التجارة الإلكترونية، حيث تم استخدام شبكة الإنترنت وبرنامج “القاضي الافتراضي”، وانتقلت هذه الفكرة لتجوب العالم، واختلفت درجة تبنيها من دولة إلى أخرى، فالصين خطت خطوة متقدمة في هذا المجال من خلال إنشاء محكمة إلكترونية تعتمد على برنامج حاسوبي متطور تم تزويده بجميع القوانين والأنظمة و الاحكام، بالإضافة إلى السوابق القضائية، بحيث تبدأ الدعوى في هذه المحكمة بتقديم كل من الدفاع والادعاء لمعطياتهم ومطالبهم على قرصين مدمجين بسعة متساوية، ثم يتم إدخال بيانات هذين القرصين إلى البرنامج الحاسوبي، ليبت فيها “القاضي الإلكتروني” أو ” القاضي الافتراضي”، ونظرًا لطبيعة بعض القضايا، قد يطلب “القاضي الإلكتروني” رأي “القاضي البشري” بخصوص بعض التفاصيل الخاصة أو تلك المتعلقة بالنواحي الإنسانية قبل إصدار الحكم والعقوبات.

وأمام هذا الطرح كان لابد من التطرق إلى التطور التاريخي الذي عرفه المغرب على مستوى رقمنة الإدارة القضائية، فبرزت أولى معالم  الإدارة الإلكترونية بالمغـرب منذ منتصف التسعينيات، بوضع أول برنامج لاستعمال تكنولوجيا الاعلام في الإدارات العمومية، وما واكبه من تغيير تدريجي للطابع المادي للمسـاطر الإدارية عبر مخططات رسـمت خارطـة الطريـق نحو رقمنة الخدمات العمومية، ففي سـنة 1996 جاءت اسـتراتيجية المغـرب التنافسي Compétitif Maroc )) التي دعـت إلى تجريـب تطبيقات الإدارة الإلكترونية، ،كما دعا المخطـط الخماسي لحكومة التناوب التوافقي 2004-1999 لإدماج التقنيات الحديثة فـي تسريع التحول التنظيمي للإدارة العمومية وجعلها محركا للتنميــة، وكما شهد المغرب إرساء ترسانة قانونية تهدف إلى تنظيم الفضاء الرقمي، من أبرزها:

• القانون رقم 05-53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية: يعد هذا القانون حجر الزاوية في الرقمنة القضائية، حيث أقرَّ المعادلة القانونية بين الوثيقة الورقية والوثيقة المنجزة على دعامة إلكترونية، ومنح الحجية القانونية للتوقيع الإلكتروني، هذا النص التشريعي هو الذي سمح بالانتقال من الإجراءات الورقية إلى الإجراءات الإلكترونية في التعاملات القضائية.   

• القانون رقم 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي:يكتسي هذا القانون أهمية قصوى في بناء الثقة الرقمية، حيث يضمن حماية البيانات الشخصية للمواطنين، وهو شرط أساسي لنجاح أي نظام قضائي يعتمد على قواعد البيانات المندمجة.   

• القانون رقم 20-05 المتعلق بالأمن السيبراني: يوفر هذا القانون الإطار اللازم لحماية الأنظمة المعلوماتية من الهجمات والاختراقات، مما يعزز الأمن والسرية في التعاملات القضائية الرقمية.   

• القانون رقم 03-07 المتمم لمجموعة القانون الجنائي فيما يتعلق بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات: يجرم هذا القانون أشكال الاحتيال والتزوير التي تتم عبر الأنظمة المعلوماتية، مما يوفر حماية جنائية للفضاء الرقمي.   

إن الولوج إلى تقنيات التقاضي الرقمي يجب أن يحترم ضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في التشريع، ويجب ألا تتخلل هذه الضمانات أية عيوب أو مساس بحقوق المتقاضين وحقوق دفاعهم كذلك، بالتالي وجب التطرق إلى هذه الضمانات والوقوف عندها، فسنناقش في هذا المقال ضمانات المحاكمة العادلة في ظل التقاضي الالكتروني من خلال الفقرة الأولى، على أن نتطرق إلى تحدياتها في الفقرة الثانية.

الفقرة الاولى: ضمانات المحاكمة العادلة

تشير الضمانات المؤسساتية و القضائية إلى مجموعة من الآليات والإجراءات التي تُنظم عمل المؤسسات القضائية وتضمن حيادها واستقلاليتها، ومع ذلك، فإنّ اعتماد التقاضي الإلكتروني يُثير تساؤلات حول الضمانات المؤسساتية  و القضائية التي تُحافظ على حقوق المتقاضين وتُعزز سيادة القانون، زد على ذلك أن إصلاح منظومة العدالة يُعدّ ركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار القضائي، وبغية ضمان حقوق الأفراد وتحقيق العدالة للجميع، وقد شهد المغرب منذ تبني دستور 2011 خطوات مهمة في هذا المجال، تمثلت في إرساء أسس قانونية ومؤسساتية راسخة، تهدف إلى تعزيز استقلالية القضاء وتحسين كفاءة الخدمات القضائية.

إن المحاكمة العادلة تقوم و تنبني على مقومات ومعايير أساسية اتفق الكل عليها، وهي: العلنية والحضورية وضمان حقوق الدفاع ومؤازرة المحامي، والحق في الصمت، والمساواة أمام القضاء، والمحاكمة في أجل معقول.

وفي ضل ظهور المحكمة الرقميةوالمحاكمة عن بعد والتواجداللامادي للأطراف أصبح تحقيق هذه الضمانات مصدر قلق ويشكل هاجسا بالنسبة لمرتفقي العدالة، و بالتالي فإن المحاكمة العادلة تكمن في سلامة الإجراءات المسطرية التي تباشر عند محاكمة كل شخص ومطابقتها للقانون، بالإضافة إلى تكييف القانون وجعله منسجما مع المبادئ المتفق عليها والتي تضمن وتصون حقوق الإنسان.

ولعل أبرز ضمانا ت المحاكمة العادلة هو مبدأ استقلال السلطة القضائية والمقصود به هو استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهذا الاستقلال كفيل بأن يحقق المحاكمة العادلة، وذلك من خلال حياد القاضي اتجاه الاطراف ﻭ الخصوم في القضايا المعروضة امامه، وهذا ما حرص عليه المشرع المغربي، من خلال تأكيده على هذه الضمانات في مقتضيات دستور 2011، وخصص الباب السابع منه للسلطة القضائية، وجاء فيه أن “السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية و التنفيذية”، وقد عزز هذه الضمانات بالعديد من النصوص، إذ نص على أنه “يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع إلى ضغط.

وتنقسم ضمانات المحاكمة إلى ثلاثة أقسام هي كالتالي:

أولا: ضمانات قبل المحاكمة

وهنا نخص بالذكر الضمانات المخولة للمتهم في مرحلتي البحث التمهيدي التحقيق الاعدادي.

ومن أبرز الضمانات والحقوق الممنوحة للمشتبه فيه خلال هاذين المرحلتين هي قاعدة أن البراءة هي الأصل إضافة إلى جملة من الحقوق والضمانات التي خولها المشرع للمشتبه فيه خلال فترة الحراسة النظرية ومن بينها الحق في الاستفادة من المساعدة القضائية والحق في الاتصال بأحد أقربائه وحقه في مؤازرة محام، إضافة إلى الاستجواب، والمواجهة، وكذلك الضمانات المرتبطة به كالحق في الصمت، والحق في إشعار المشتبه فيه الموضوع تحت الحراسة النظرية بطبيعة الجريمة، وبحقوقه باللغة التي يفهما وبأسباب اعتقاله، وتحرير محاضر الاستماع وفق الشكليات القانونية لضمان توفير المصداقية لها، وسلامة إجراءات التفتيش وغيرها من الإجراءات المرتبطة بالبحث التمهيدي كالتصنت على المكالمات الهاتفية والاطلاع على المراسلات الشخصية التي ينبغي أن تتم وفق القانون.

وفي ظل التقاضي الالكتروني يبقى السؤال هل هذه الضمانات متوفرة أم لا؟ وينبغي الإشارة هنا إلى أن معظم الإجراءات التي تسبق المحاكمة داخل أسوار المحكمة غالبا ما تكون بالطريقة التقليدية وهذا راجع إلى صعوبة رقمنة بعض المساطر القضائية.

ثانيا: ضمانات أثناء المحاكمة

تعتبر مرحلة المحاكمة من أهم المراحل في الوصول إلى الحقيقة والتأكد من التهمة المنسوبة للمتهم ومدى مطابقتها للحقيقة القانونية والقضائية، وذلك من خلال تكوين القاضي لقناعته الوجدانية واقتناعه الصميم بناء على وثائق الملف والمناقشات الحضورية، والشفهية، والعلنية للقضية أمام الهيئة، وهنا سنخص بالذكر مبدأ الحضورية ومبدأ العلنية و مبدأ الشفوية، ويستدعي مبدأ الشفوية وجود مبدأ آخر ألا وهو  مبدأ الحضورية بمعنى حضور الخصوم وتواجههم لمناقشة الادلة و الدفوع أمام هيئة الحكم،  و تحت إشرافها و رقابتها، فبدون هاذين المبدأين لا يمكن اصدار أي قرار أو حكم في القضية. 

ثالثا: ضمانات بعد المحاكمة

فبعد صدور الحكم يحق للمعني بالحكم سوآء كان متهم أو مدعي أو مدعى عليه أو مطالب بالحق المدني الطعن في الحكم أو القرار وفق مسطرة الطعون. 

فهذا اختصار للضمانات التي يجب توفرها في المحاكمة العادلة، ونجد أن التقاضي الالكتروني أو المحاكمة عن بعد ضامنة لحقوق المتقاضين ففي الشق المدني نجد أن الحق في الجواب والترافع الكتابي مضمون، اختلفت الوسيلة التي تقدم بها المرافعات الكتابية فقط، فبعدما كان الدفاع ينتقل إلى المحكمة للإدلاء بمذكراته أو مقالاته الافتتاحية أصبح يرسلها عبر المنصات المخصصة لهذا الغرض، وتوظيف تقنية المحاكمة عن بعد في القضايا الزجرية، يحقق تفاعلا بين هيئة قضائية ونيابة عامة ودفاع وشهود وضحية، المتواجدين بالمحكمة، والحاضرين فعليا في الجلسة والمتهم المتواجد بقاعة السجن، حيث يتم ضمان وجوده اللامادي من قاعة السجن إلى قاعة المحكمة التي تنعقد فيها الجلسة بتقنية الاتصال عن بعد فبالتالي يخضع المتهم إلى محاكمة عادلة كما هي منصوص عليها في المواثيق الدولية والدستور، وقانون المسطرة الجنائية، وليس هناك أي فرق عن المحاكمة العادية، إلا بالحضور المادي للمعتقل أمام الهيئة القضائية.

وفي غياب الحضورية المادية للأطراف قد تتأثر القناعة الوجدانية للقاضي، باعتبار أن حكم القاضي مؤسس على القانون و المعطيات و الوقائع بالدرجة الأولى، و على قناعاته بمرافعة الدفاع واستماعه إلى المتهم و الشهود الذي من خلاله يمكن أن تتبين الحقيقة للقاضي، و ذلك قد يكون راجعا إلى لغة الجسد و نبرات الصوت وتفاصيل الوجه من خلال ردود الأفعال وطريقة الاجوبة للماثلين أمامه، بالتالي نجد أن التقاضي الالكتروني أو المحاكمة عن بعد و الحضور اللامادي، قد لا تستطيع أن توصل ما يمكن الوصول إليه في العالم المادي، بالتالي رغم تحقق شرط العلنية و الحضورية اللامادية في المحاكمات عن بعد يبقى تخوف من الجانب الذي أثرناه.

رابعا:استخدام الذكاء الاصطناعي في اصدار الاحكام والقرارات القضائية

أظهرت دراسة مقارنة بين قرارات الذكاء الاصطناعي وقضاة بشريين أن الذكاء الاصطناعي كان أكثر التزاماً بالسوابق القضائية وأكثر حيادية، حيث لم يتأثر بالعوامل العاطفية مثل التعاطف مع المتهم، وفي المقابل، كان القضاة البشريون يميلون إلى التخفيف من الأحكام أو تجاهل السوابق بناءً على عوامل إنسانية خارجة عن النصوص القانونية الصرفة.   

هذا التناقض يثير سؤالاً عميقاً: هل الحيادية المطلقة مرادفة للعدالة؟ أم أن العدالة الحقة تتطلب تفكيراً أخلاقياً يراعي الظروف الإنسانية؟ وهو ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي فعله، بينما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة مساعدة للقاضي في تحليل الأدلة وتقديم الاستشارات ، فإنه لا يمكن أن يحل محل القاضي، الذي يمثل ركيزة الرقابة البشرية والإنصاف في تطبيق القانون، فالقاضي البشري هو الضمانة ضد الجمود القانوني، وعليه يقع عبء تحقيق العدالة بمفهومها الواسع الذي يتجاوز التقيد الحرفي بالنصوص.   

يجب أن يظل القاضي البشري هو صاحب الكلمة النهائية في اتخاذ القرار القضائي، مع عدم السماح للذكاء الاصطناعي أن يحل محل المسؤولية والمساءلة البشرية، فالقرار القضائي ليس مجرد عملية حسابية، بل هو عملية فكرية معقدة تتضمن تفسير النصوص القانونية وموازنة الأدلة وإعمال القناعة الشخصية.  

الفقرة الثانية: تطبيقات العدالة الرقمية وتحدياتها 

يعتبر التقاضي الالكتروني أداة فعالة في تبسيط وتسريع الإجراءات القضائية وتحسين كفاءة عمل المحاكم، إلا أنه يواجه أيضاً بعض التحديات.

▪ تطبيقات التقاضي الالكتروني بالمغرب 

منذ سنة 2006، تم تطوير المنظومة المعلوماتية لتدبير قضايا المحاكم “ساج” (Système Automatisé des Juridictions) بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، ويشمل هذا النظام جميع الإجراءات والمساطر القضائية من مرحلة تسجيل الملف إلى مرحلة التنفيذ. كما أطلقت وزارة العدل مجموعة من المنصات والخدمات الرقمية التي تهدف إلى تبسيط الإجراءات وتسهيل الولوج إلى العدالة فأطلقت وزارة العدل الموقع الالكتروني الرسمي (justice.gov.ma) والذي يضم مجموعة من البوابات الأخرى بوابة محاكم (mahakim.ma)والتي لها نسخة أخرى خاصة بالهاتف عبارة عن تطبيق (E-justice) التي بدورها توفر العديد من الخدمات نذكر منها:

1- خدمة تتبع الملفات: وتوفر هذه الخدمة تتبع الملف وإجراءاته وجلساته من خلال إدخال بيانات الملف.

2- خدمة السجل العدلي: وهذه الخدمة تمكن المواطنين من طلب وتسلم سجلاتهم العدلية ن بعد وأداء مصاريفها عبر تقنية الأداء الالكتروني.

3- خدمة السجل التجاري: أيضا هذه الخدمة تمكن من الحصول على السجل التجاري وأداء مصاريفه عبر الانترنيت.

4- خدمة طلب شهادة الجنسية: وتسمح بتقديم طلبات شهادة الجنسية عن طريق الانترنيت وتسلمها كذلك عبره.

5- بوابة تقديم طلبات العفو: تم إنشاء البوابة الإلكترونية لتقديم طلبات العفو والإفراج المقيد والأمر بالإفراج لتمكين المعنيين بالأمر وذويهم والجهات المخول لها قانونا وذلك من تقديم طلباتهم في وقت وجيز وفق خطوات مبسطة وسلسة مع إمكانية تتبع مآلها دون حاجة للتنقل.

6- البيوعات العقارية: تمكن هذه الخدمة من الاطلاع على جلسات البيع ومآل العقارات المعروضة في المزاد العلني.

7- طلبات الاذن بالزواج: وتمكن من تقديم طلبات عن بعد للحصول على الاذن بالزواج لدى كل المحاكم.

8- الأداء الالكتروني لغرامات مخالفات السير: وتمكن من أداء مبالغ المخالفات التي تم رصدها عبر الرادار الثابت عبر الطرقات والتي أحيلت على المحكمة.

9- منصات التبادل الالكتروني مع المفوضين القضائيين: وهي منصة للتبادل اللامادي للإجراءات التي يباشرها المفوض القضائي في علاقته مع المحكمة، بهدف ضبط وتسريع عمليات التبليغ والتنفيذ.

10- منصة التبادل الالكتروني مع المحامين: والتي تمكن المحامي من متابعة القضايا التي ينوب فيها ورفع الدعاوى وغيرها من الإجراءات الالكترونية، وسنتطرق لها بالتفصيل في الفصل الثاني.

▪ تحديات العدالة الرقمية 

1- التحديات التقنية والفنية: وتشكل التحدي الأكبر لتنزيل أوراش المحكمة الرقمية وتفعيل تقنيات التقاضي عن بعد وهذا راجع بالدرجة الأولى إلى الميزانية التي تحتاجها الدولة لتأمين بنية تحتية خاصة لهذا الغرض، إضافة إلى الصعوبات التي يجدونها مرتفقي العدالة والعاملين لديها كذلك في استخدام المنصات والبرامج الالكترونية وهذا راجع لضعف التكوين في هذا المجال.

2- التحديات القانونية: إن من أبرز التحديات القانونية هو غموض التشريعات الوطنية وافتقارها إلى مواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة، هذا الغموض يتجلى بوضوح في التعامل مع القضايا العابرة للحدود، حيث يمكن جمع البيانات الشخصية في دولة ومعالجتها أو بيعها في دولة أخرى، مما يثير تساؤلات معقدة حول الاختصاص القضائي وتطبيق القوانين. كما أن التشريعات لا تزال تفتقر إلى تعريفات واضحة لمفاهيم أساسية مثل “الخصوصية الرقمية” أو “الموافقة المستنيرة”، مما يمنح الشركات والحكومات فرصة لاستغلال الثغرات القانونية والتحايل على القوانين، ويجعل من الصعب على المحامين إثبات الانتهاكات أو بناء قضايا قوية.

        ينتج عن هذا الغموض التشريعي صعوبة بالغة في إثبات الضرر الرقمي. فالأضرار التقليدية كالأضرار المالية أو الجسدية يسهل قياسها، بينما يختلف الأمر في البيئة الرقمية، مما يجعل القضية أقل إقناعاً أمام المحكمة، هذا يوضح وجود علاقة سببية مباشرة بين غياب التعريفات القانونية الدقيقة وصعوبة تطبيق القانون، مما يؤثر على قدرة القضاء على إنفاذ الحقوق في العصر الرقمي ويقلل من ثقة المتقاضين في قدرة المنظومة على حماية مصالحهم.

3- التحديات اجتماعية: تمثل الفجوة الرقمية أحد أبرز التحديات الاجتماعية، حيث تعكس عدم المساواة في الوصول إلى التكنولوجيا والمهارات اللازمة لاستخدامها، في المغرب، على سبيل المثال، تبلغ نسبة الأمية الرقمية 56%. وكشف الإحصاء العام للسكان والسكنى أن 0.3% فقط من غير المتعلمين يمتلكون حواسيب، مما يظهر عمق الفجوة الرقمية في البلاد. كما يوجد تفاوت كبير في استخدام الإنترنت بين الجهات المختلفة، حيث تبلغ نسبة الاستخدام في جهة الداخلة-وادي الذهب 83.6%، بينما لا تتجاوز 51.5% في جهة درعة تافيلالت.   

هذه الفجوة الرقمية تخلق تناقضاً صارخاً مع الأهداف المعلنة للعدالة الرقمية التي تسعى إلى “تقريب العدالة من المواطن” و”دمقرطة الوصول إلى الخدمات الرقمية” ، ففي حين يتم توفير الخدمات الرقمية، لا تستطيع شريحة واسعة من المجتمع، خاصة غير المتعلمين وسكان المناطق النائية، الاستفادة منها، وهذا يؤدي إلى أن يصبح “القضاء الرقمي” حكراً على فئة معينة، مما يكرس اللامساواة الاجتماعية بدلاً من القضاء عليها   

4- تحدي الخصوصية الرقمية: والذي يمثل بدوره تحدي مهم يجب أخذه بعين الاعتبار، فاحتمالية سرقة بيانات المتقاضين ومستنداتهم والاطلاع على سرية ملفاتهم واردة وبشكل كبير.

5- تحديات حجية الدليل الإلكتروني وقبوله

لا يتمتع الدليل الإلكتروني بحجية تلقائية في المحاكم، بل يخضع لعدد من الشروط الصارمة ليكون مقبولاً في الإثبات، خاصة في القضايا الجزائية، هذه الشروط تضمن نزاهة الدليل وتحميه من التلاعب أو التحريف. وتتضمن هذه الشروط:   

المشروعية في الحصول: يجب أن يتم جمع الدليل بطريقة قانونية لا تنتهك الدستور أو حرمة الحياة الخاصة،أي إجراء غير مشروع، مثل إكراه المتهم على إفشاء كلمة المرور، لا يمكن أن يعتد به.   

صلة الدليل بالواقعة: ينبغي أن يكون الدليل وثيق الصلة بالواقعة قيد التحقيق ومرتبطاً بما تسعى جهات التحقيق إلى إثباته أو نفيه.   

اليقين: يجب أن تكون الأحكام القضائية مبنية على الجزم واليقين لا على الشك والتخمين. لذا، يجب أن يكون الدليل الرقمي قطعياً، فالمبدأ الأساسي هو أن الشك يفسر لصالح المتهم.   

الاحترافية في الجمع والحفظ: يجب أن يقوم بجمع الدليل واستخراجه خبراء متخصصون أو مأمورو ضبط قضائي مؤهلون، مع توثيق الأدوات والبرامج المستخدمة في الفحص.   

التوثيق الشامل: يجب توثيق كافة تفاصيل الدليل في محضر إجراءات قانوني، يشمل مكان ضبطه، وحفظه، ومواصفاته الفنية الدقيقة.   

الرقابة على الإجراءات: يجب أن يخضع الدليل للمناقشة أمام المحكمة، بما يضمن مبدأ شفوية المرافعات ويعطي الخصوم الحق في الدفاع عن أنفسهم.   

إن السعي لتحقيق السرعة والكفاءة التي تعد بها الرقمنة يتعارض بشكل مباشر مع هذه الشروط الصارمة التي تفرض إجراءات دقيقة ومعقدة. هذا التناقض يضع تحدياً جوهرياً أمام المنظومة القضائية، فهل يمكن تحقيق سرعة الإجراءات دون المساس بالضمانات القانونية الأساسية للمتقاضين التي تتطلب الدقة والتأني؟ 

التحديات الأخلاقية للذكاء الاصطناعي في القضاء

مع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى مجال العدالة، تظهر تحديات أخلاقية جديدة تُلقي بظلالها على مفهوم العدالة ذاته.

التحيز الخوارزمي

يُعد التحيز الخوارزمي نمطاً مستحدثاً من التمييز العنصري. ينشأ هذا التحيز بشكل أساسي من البيانات المعيبة، أو غير التمثيلية، أو المتحيزة تاريخياً التي يتم تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي عليها. على سبيل المثال، إذا تم تدريب نظام على بيانات تاريخية تعكس التمييز ضد عرق أو جنس معين في الأحكام القضائية، فإن النظام سيتعلم هذا النمط ويكرسه في قراراته، مما يؤدي إلى نتائج غير عادلة ويعزز التحيزات الموجودة في المجتمع. هذا التحدي يهدد مبدأ المساواة، ويضع العدالة الخوارزمية محل شك وريبة.   

مشكلة “الصندوق الأسود” (Black Box) وغياب الشفافية

يُطلق مصطلح “الصندوق الأسود” على صعوبة تفسير آلية عمل الذكاء الاصطناعي وكيفية وصوله إلى قراراته. هذا الغموض يثير تساؤلات جدية حول الشفافية في العمل القضائي، ويقوض ضمانة التسبيب في الأحكام القضائية، وهي ضمانة أساسية للتقاضي. فإذا كان الحكم الصادر غير مبرر بأسس واضحة ومفهومة، يصبح من الصعب على المتقاضي أو محاميه الطعن فيه، مما يفتح الباب أمام قرارات لا يمكن مساءلتها.   

إن مشكلة التحيز الخوارزمي ومشكلة الصندوق الأسود مترابطتان بشكل خطير؛ فبينما ينتج التحيز قرارات غير عادلة، تمنع مشكلة الصندوق الأسود من اكتشاف هذا التحيز أو تفسيره، هذا الوضع يؤدي إلى إمكانية إصدار أحكام متحيزة بشكل منهجي دون وجود سبيل قانوني أو تقني لفهم أو الطعن في أساس هذه القرارات.   

إن وجود استراتيجية طموحة على الورق لا يكفي، فالنجاح يتوقف على التنفيذ الفعال والقدرة على مواجهة الإكراهات المالية والبشرية والتنسيقية، كما أن الإصلاح الرقمي للقضاء ليس مجرد ورش فني، بل هو ورش تشريعي بالأساس، حيث لا يمكن للتكنولوجيا أن تتجاوز العوائق القانونية، بل يجب أن يسبقها أو يواكبها إصلاح تشريعي شامل.

مشاركة