صوت العدالة- عبدالنبي الطوسي
تاريخ الشيخات هو مرآة لتاريخ المغرب نفسه: من زمن الكفاح بالصوت والكلمة إلى زمن السرعة والرقص، وبين هذا وذاك، يظل من الضروري الحفاظ على الذاكرة، حتى لا ننسى أن “العيوط” كانت يوما رصاصا ناعما في وجه المستعمر، لا مجرد نغمة في عرس عابر.
شكّلت الشيخة في الذاكرة الشعبية المغربية شخصية جدلية، تتجاوز الفن والغناء إلى أبعاد ثقافية وتاريخية عميقة، بين “الشيخة في فترة معينة” و”الشيخة اليوم”، تحضر التحولات الكبرى التي عرفها المجتمع المغربي، والتي انعكست بشكل واضح على هذا الفن الشعبي العريق المعروف بـ”العيوط”.
ذلك أنه في العقود الماضية، لم تكن الشيخة مجرد فنانة تؤثث فضاءات الأعراس أو المواسم، بل كانت صوتا ناعما للمقاومة، وسلاحا فنيا استخدمته الطبقات الشعبية لمواجهة المستعمر وأعوانه.
كانت ترتدي اللباس التقليدي “القفطان” و”المنديل” و”المضمة”، وتجلس أو تتحرك برزانة، تاركة للكلمة واللحن مهمة إحداث الأثر.
كانت كلماتها مشحونة بالرمزية: حديث عن الوطن، الظلم، الفقر، المقاومة، كلها رسائل مغلفة بحكمة البادية وأسلوب شعبي سهل ممتنع، لم تكن ترقص كثيراً، بل تغني وتعبر وتوجه، كان الفن في حد ذاته نوعا من “الرفض الناعم”، و”العيوط” بمثابة صحف شفوية تتداولها الألسن لمقاومة القمع والتسلط.
اليوم، ومع تطور السياقات الاجتماعية والثقافية، تغيرت صورة الشيخة كثيرا، أصبح الأداء يرتكز أكثر على الحضور الجسدي والحركة، بينما تراجعت الكلمات من حيث العمق والمضمون، لم تعد “العيوط” تعكس مقاومة أو موقفا، بقدر ما أصبحت وسيلة للترفيه.
و أصبح اللباس أقرب للعرض المسرحي أو الإبهار البصري، وتنوعت “الأحزمة” وتعددت أساليب الأداء ، مع التركيز على الرقص أكثر من الغناء.
الهدف من هذا التحليل ليس التحقير من الشيخات المعاصرات، فهن جزء من التطور الفني الطبيعي، لكن المفارقة التاريخية تبقى جلية،
فالشيخة قديما كانت مشروع مقاومة، والشيخة اليوم صارت مشروع فرجة، هذا التحول لا يعكس فقط تغيرا في الفن، بل في طبيعة الجمهور، وتغير القيم، وطغيان “الفرجة السريعة” على العمق الثقافي.

