بقلم عزيز بنحريميدة
تُعتبر الشهادة الطبية وثيقة قانونية بالغة الأهمية، فهي ليست مجرد ورقة صادرة عن طبيب وإنما دليل مادي يُعتمد عليه أمام القضاء والإدارة. غير أن خطورة الموضوع تبرز حين تتحول هذه الوثيقة إلى وسيلة للتلاعب بالحقائق، عبر إدراج وقائع غير صحيحة أو مبالغ فيها، بما يفتح الباب أمام مظاهر الغش والتضليل ويؤثر بشكل مباشر على سير العدالة.
من أبرز صور هذا الاستغلال ما يُعرف في المحاكم بالشواهد الطبية المبالغ في مدد العجز، حيث تُستعمل لتضخيم دعاوى الضرب والجرح أو لدعم شكايات كيدية. وغالبا ما يجد القاضي نفسه أمام شهادة صادرة عن طبيب مختص تحدد مدة عجز طويلة، في حين أن المعاينة الواقعية أو الخبرة الطبية اللاحقة قد تكشف عن مبالغة مقصودة هدفها التأثير على الحكم أو الحصول على تعويضات مالية غير مستحقة. وهذا لا يمس فقط بحقوق المتقاضين، بل يُهدد ثقة المجتمع في مبدأ العدالة ونزاهة مساطرها.
إلى جانب القضايا الجنحية، تُستعمل الشواهد الطبية كذلك في قضايا الأسرة والطلاق والتعويضات عن حوادث السير وحوادث الشغل، مما يجعلها أداة حاسمة في ترجيح كفة طرف على آخر. لكن حين تصدر بناءً على وقائع غير دقيقة، تتحول إلى سلاح للابتزاز أو إلى سند لتصفية الحسابات، فتكون العدالة نفسها أكبر ضحية.
وقد سبق للنيابة العامة في أكثر من مناسبة أن نبهت إلى خطورة هذه الظاهرة، ودعت الأطباء إلى الالتزام بأعلى درجات الدقة والموضوعية، معتبرة أن تحرير شهادة طبية غير صحيحة قد يرقى إلى جريمة التزوير. كما شددت على أن المسؤولية مشتركة بين الطبيب الذي يحرر الشهادة والمتقاضي الذي يستعملها بسوء نية، حيث إن العقوبات القانونية قد تطال الطرفين معاً.
ولمواجهة هذه الإشكالية، يقترح عدد من الفاعلين في قطاع العدالة إخضاع الشواهد الطبية لنظام رقابة صارم،وكذا تشديد العقوبة في حق الأطباء المتلاعبين بالإضافة إلى إلزامية الخبرة الطبية المضادة في بعض القضايا، أو من خلال إنشاء سجل وطني رقمي يربط كل شهادة بهوية صاحبها والطبيب الموقّع عليها، بما يقلل من فرص التلاعب. كما يطالب آخرون بتوعية المواطنين بأن اللجوء إلى وسائل غير مشروعة لنيل حق مزعوم قد يرتد عليهم بعقوبات أشد.
إن حماية العدالة تقتضي حماية أدلتها، وفي مقدمتها الشواهد الطبية. فحين يختل ميزان الصدق في هذه الوثائق، يختل معه ميزان العدالة نفسه، وتضيع حقوق الأبرياء بين ثغرات الاستغلال وسوء النية.

