بقلم: طلوع عبد الإله – باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب
شهدت مدينة سلا نهاية الأسبوع الماضي حدثاً علمياً لافتاً، تمثل في الإعلان الرسمي عن تأسيس الشبكة الدولية للباحثين، بعد أربع سنوات من الحضور الرقمي المكثف على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تحولت من منصة افتراضية لتبادل المعرفة إلى إطار مؤسساتي منظم يسعى إلى المساهمة الفعلية في تأطير البحث العلمي وتطوير النقاش الأكاديمي حول القضايا ذات الراهنية المجتمعية والقانونية.
هذا الانتقال من العالم الرقمي إلى الحقل الواقعي لم يكن وليد لحظة، بل جاء تتويجاً لمسار تراكمي من التفاعل العلمي الجاد، والتنسيق بين عدد من الأساتذة الجامعيين والباحثين من مختلف الجامعات المغربية، من بينها: مولاي إسماعيل، القاضي عياض، ابن طفيل، ابن زهر، محمد الأول، عبد المالك السعدي، بالإضافة إلى كفاءات من مراكز بحثية ومؤسسات أكاديمية متعددة.
من التواصل إلى التأطير: رؤية جديدة للبحث العلمي
بحسب الأستاذ بدر بوخلوف، منسق الشبكة ورئيسها، فإن “الهدف من هذه المبادرة ليس فقط تنظيم التفاعل العلمي داخل فضاء مؤسساتي، بل العمل على مأسسة المعرفة وربطها بالحاجيات المجتمعية، من خلال الرفع من جودة التكوين، وتنظيم الفعل البحثي، وتحقيق الإشعاع العلمي محلياً ودولياً”.
وفي هذا السياق، وضعت الشبكة الدولية للباحثين أهدافاً واضحة من بينها:
المساهمة في تشجيع البحث العلمي في العلوم القانونية والاجتماعية والانفتاح على تخصصات داعمة.
تنظيم أنشطة أكاديمية نوعية من ندوات، مؤتمرات، دورات تكوينية، وأيام دراسية حضورية وافتراضية.
تشجيع النشر العلمي من خلال إصدار مؤلفات جماعية حول مواضيع راهنة تهم السياسات العمومية والواقع القانوني والاجتماعي.
تقديم الخبرة والدعم الاستشاري عبر إنجاز دراسات وأبحاث ميدانية تُسهم في بلورة حلول علمية واقعية لإشكالات معقدة.
فتح المجال أمام المبادرات العلمية للشراكة مع جامعات، معاهد، جماعات ترابية، وهيئات المجتمع المدني ذات الانشغال الأكاديمي.
شبكة جامعة لطاقات متعددة
تتميز هذه الشبكة بكونها فضاءً يجمع بين باحثين من مشارب متعددة، ما يمنحها قوةً على مستوى القراءة التعددية للواقع، وقدرةً على مواكبة مختلف التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي ومؤسساته. كما أن اعتمادها على منطق التشاركية والانفتاح، يؤهلها لتكون صوتاً علمياً جماعياً بديلاً عن منطق الفردانية والانغلاق، الذي يهيمن أحياناً على بعض المبادرات الأكاديمية التقليدية.
نحو فاعلية بحثية في السياسات العمومية
ما يميز الشبكة أيضاً هو تطلعها للقيام بدور فاعل في إنتاج المعرفة الرصينة ذات الصلة بصنع القرار العمومي، حيث تسعى إلى ألا تظل الدراسات والبحوث حبيسة الرفوف، بل أن تجد طريقها إلى مراكز القرار والمؤسسات الوطنية والدولية، من خلال تقديم أوراق تحليلية، واقتراحات ملموسة مبنية على المعطى العلمي والدراسة الميدانية.
دعوة للانخراط والتعاون
في ختام هذا الحدث، وجه مؤسسو الشبكة دعوة مفتوحة لكل الباحثين والأساتذة والممارسين والمهتمين، للمساهمة في هذا المشروع العلمي الجامع، والانخراط في ديناميته الجديدة، كخطوة نحو إرساء ثقافة معرفية جماعية تتجاوز الحسابات الضيقة، وتؤمن بأن البحث العلمي يجب أن يكون وظيفياً، حياً، ومؤثراً في الفضاء العمومي.

