صوت العدالة – عبد السلام اسريفي
السياسة كسلوك يومي لبعض الأشخاص بات متجاوزا،ولم يعد يفرق المواطن المغربي المغلوب على أمره ما بين السياسة كممارسة لبعض الأشخاص والسياسة كوسيلة استرزاق لبعض الكائنات الانتخابية.
فالمجتمع ككائن متحرك ومتفاعل ايجابي، ينتظر من الساسة تقديم حلول لبعض الأسئلة العالقة، كالشغل والتطبيب والتعليم والحرية والكرامة والعدل…،هناك تعاقد اجتماعي ملزم للسياسي حيال منتخبيه وحيال الوطن وحيال الهيئة التي ينتسب اليها. فلا يمكن قبول أن يتحول العمل السياسي الى سلوك سلبي مناسباتي لبعض الأشخاص الذين تربوا وتمرسوا في بعض الأحزاب، فامتلكو الحيل واطلعوا على القوانين،وتحولوا بفعل فاعل الى منظرين وأساتذة في التدبير وتسيير شؤون الدولة.لكن هل استطاعت السياسة أن تخدم المجتمع؟
السياسة نسيج لمجموعة من الأعمال ذات الأهداف العامة،تستهدف بالأساس المجتمع،من خلال رسم مخطط للعمل قد يكون طويل الأمد،يتضمن في جوهره قواعد الاشتغال وطرق تدبير الحياة اليومية بالاعتماد على موارد مالية محددة.
والساسة بالمغرب،كما يحلو للأستاذ الحسان بوقنطار تسميتهم،يعتمدون منطق الاشتغال الظرفي المغلف بوعود يسهل تحقبقها وبرامج يمكن تبتيها،كالطرق والمسالك،والقناطر،والأسواق،وبعض المشاريع التي لا تكلف الكثير.فيما تتكلف المؤسسات بباقي المشاريع الكبرى بشراكة مع مؤسسات أخرى وقطاع خاص.والخطير في الأمر أن في غالب الأحيان يتبنى السياسيون بعض المشاريع التي خلقتها الدولة بمؤسساتها الخاصة.
فما الذي يمكن أن يقدمه سياسي للمجتمع وهو بداخل قبة البرلمان؟ما الذي يمكن أن يقدمه الوزير وهو بداخل مجلس للحكومة؟ كيف يمكن للسياسي الذي قدم الوعود للشعب أن يترجم ذلك الى مشاريع ينتفع منها الشعب؟ هل يملك السياسي قراره حتى يف بما وعد به الشعب؟ هل باستطاعة الوزير مهما كان موقعه أن يخلق مناصب شغل؟ أن يبني المدارس والمستشفيات دون الرجوع الى مجلس الحكومة ورئيس مجلس الحكومة؟ ماذا لو كان هناك عدم انسجام داخل الحكومة؟ هل يعقل أن يقبل وزير يشغل منصب سياسي بتمكين وزير آخر في حزب آخر من برنامج يمكن أن يعطي للثاني قوة ومركز سياسي على حساب الأول؟
هي أسئلة في التفاعل معها يمكن أن نجد السبب،فالبرامج التي تسطر داخل مجلس الحكومة في غالبها تقبر بشكل غريب، وهناك أمثلة كثيرة في الموضوع، آخرها برنامج ” منارة المتوسط”، وبالتالي تتحول السياسة الى حلبة للصراع واستعراض العضلات والصور.فجل السياسيين بالمغرب سواء كانوا في الأغلبية أو المعارضة يتبنون برنامج أحزابهم دون أن يكونوا قد سبق لهم مناقشته أو حتى اطلعوا عليه داخل مؤسسة الحزب، فكيف إذن لهذا السياسي المنضوي تحت اسم معين أو تنظيم معين أن يمتلك الأدوات اللازمة لتنفيذ أو اقتراح ومناقشة برنامج من البرامج التي كانت عنوانا لحزبه في الفترات الانتخابية.
المفيد، أن الساسة هم كائنات انتخابية، تتحول، تتأقلم مع المحيط،وتغير لونها إن دعت الضرورة الى ذلك،فليس هناك من يعتمد مقاربة علمية تحليلية للفعل السياسي داخل مؤسسة الحزب، بل الغالبية العظمى منهم لم يسبق له أن حضر حتى ندوة علمية في مجال “التدبير والتسيير المؤسساتي”، فكيف إذن نطلب منه أن يصنع لنا غدا أفضل؟
فهناك تجارب عدة، أظهرت للكل ضعف هذا النوع من السياسيين،حتى وهو في الحكومة، يعتمد على موظفي الوزارة ومستشارين من خارج الوزارة، بل حتى الأجوبة على أسئلة البرلمانيين يقوم بها جهاز خاص متخصص في هذا النوع من الكتابة والتحليل.فلا غرابة أن نواجه صعوبات في تدبير شؤون الدولة، ولا غرابة أن نتراجع للوراء الى مصف الدول الغير المصنفة.لأننا لا نمتلك التصور الحقيقي لمستقبل البلاد، بل وهذا هو الخطير، لا نملك الحس الوطني.كل ما نفكر فيه هو المصلحة الشخصية وكيفية تدبير زمن الولاية بمنطق “رابح رابح”.
وقد يلاحظ المتتبع للشأن السياسي المغربي،أن غالبية البرامج والمشاريع الكبيرة تخرج من المجلس الوزاري الذي يترأسه جلالة الملك، وهذا لوحده جواب على ندرة الانتاج الحكومي بالمقارنة مع الجلسات الكثيرة للبرلمان بشقيه. فالملك كمؤسسة دستورية، له كل الصلاحية في تدبير شؤون البلاد بالشكل الذي يضمن التقدم والعدل والسلم الاجتماعي،وفي غياب اجتهاد الحكومة يضطر الى التدخل وإخراج بعض المشاريع الى حيز الوجود.
أما السياسي أو الكائن الانتخابي ما هو إلا حائط تعلق عليه الصور،والتجربة التي نعيشها رغم بروز بعض الأمل في حكومة العثماني، تظهر بشكل واضح أن تسييس المجتمع وتغليف الممارسة السياسية بعادات وطقوس متجاوزة ، بات فعلا يضر بمصلحة الوطن، فالصراع يجب أن يكون على البرامج والانتاج وليس على المناصب والمقاعد والامتيازات،فالمواطن لما يمنح ثقته (للسياسي)، إنما يرمي بذلك الى تمكينه من الوسيلة القانونية لترجمة انشغالات الشعب الى برامج ممكن تنزيلها في منطقة من المناطق.
لذلك،فالسياسة،من واجبها أن تخدم المجتمع، بل تقويه، وتمنحه الفرصة للتعبير عن وطنيته التي أكيد لن تكتمل في غياب شروط الحياة الكريمة،وما نلمسه من غياب لروح الاجتهاد داخل المؤسسة التشريعية،يترجم فعلا ما تبنيناه من أحكام قيمة على هذه الفئة من المجتمع (السياسيين)،الذين تحولوا الى أوراق وأرقام تستخدم عند الحاجة، في الوقت الذي كان من المفروض أن يقدمو الجواب على الكثير من الأسئلة التي تؤرق المجتمع.خاصة وأن الحياة اليومية للمواطن هي جوهر السياسة العامة للدولة،وأن الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي مقرون بالاعتراف بكرامة المواطن.
فالمجتمع الذي يلد الحاجة، إنما يخلق لنا مسؤولية أخرى على السياسة أن تفكر فيها وتجد لها الأجوبة الممكنة، هكذا يجب التفكير ، إن نحن فعلا أردنا الاعتراف بدور السياسي في الحياة اليومية للمواطن،أما الاعتماد على الدولة والمؤسسة الملكية في كل شيء،والرجوع الى الوراء والتفكير في فرص استغلال الوضع والموقع والكرسي، فهذا أكيد يجعلنا نعتقد أن هناك شيء آخر غير السياسة وأن هناك منطق آخر غير المنفعة العامة.