تجسد الرؤية الملكية السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله في قضية الصحراء المغربية نموذجاً فريداً في الجمع بين الشرعية التاريخية والمشروعية الواقعية والريادة الاستراتيجية. فمنذ اعتلاء جلالته عرش أسلافه المنعمين، جعل من الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة جوهر مشروعه الوطني، التزاماً بالعهد الذي قطعه أمام الله وأمام الشعب المغربي، بأن تبقى الصحراء في قلب كل السياسات الوطنية وفي مقدمة أولويات الدولة المغربية. لقد أعاد جلالة الملك صياغة مقاربة شاملة لقضية الصحراء، تجاوزت منطق الدفاع الكلاسيكي إلى مشروع بناء استراتيجي يقوم على التنمية المندمجة والدبلوماسية الاستباقية والتلاحم الوطني الصادق. وفي خطاب الذكرى الثانية والأربعين للمسيرة الخضراء بتاريخ 6 نونبر 2017 قال جلالته بوضوح: “منذ توليت العرش، عاهدت الله، وعاهدتك، على بذل كل الجهود، من أجل الدفاع عن وحدتنا الترابية، وتمكين أبناء الصحراء من ظروف العيش الحر الكريم.”
إن ارتباط الصحراء بالمغرب ليس وليد اليوم، بل هو امتداد تاريخي ضارب في الجذور، تشهد عليه البيعة الشرعية التي قدمتها القبائل الصحراوية للملوك العلويين، في تأكيد متجدد لسيادة المغرب ووحدته. هذه الشرعية التاريخية شكلت السند الأساسي للموقف المغربي، الذي بُني على حجج قانونية وسياسية متينة، ووجد في القيادة الملكية الحصن الذي حافظ على هذا الإرث الوطني من محاولات التشكيك أو التجزئة. لقد أعاد جلالة الملك التأكيد على أن قضية الصحراء ليست قضية نظام أو حكومة، بل قضية وجود ووحدة، حين قال في خطاب 6 نونبر 2021: “إن قضية الصحراء هي جوهر الوحدة الوطنية للمملكة، وهي قضية كل المغاربة.” بهذا التصور، انتقل الخطاب الملكي من الدفاع إلى الهجوم الدبلوماسي الإيجابي، مستنداً إلى الشرعية التاريخية كركيزة لتأكيد المشروعية القانونية والسياسية في المحافل الدولية.
تحولت الشرعية التاريخية، بفضل التوجيهات الملكية، إلى مشروعية ميدانية قائمة على الفعل والإنجاز. فقد عرف الأقاليم الجنوبية للمملكة طفرة تنموية غير مسبوقة من خلال النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية لسنة 2015، الذي أطلقه جلالته كخطة متكاملة تهدف إلى تحويل الصحراء إلى قطب اقتصادي إفريقي ومغاربي متكامل. ومن خلال مشاريع البنية التحتية الكبرى كالطريق السريع تيزنيت-الداخلة، وميناء الداخلة الأطلسي، والمناطق الصناعية واللوجستيكية، أضحت الصحراء فضاء للتنمية والنمو، ومجالاً لتجسيد مفهوم “مغرب الجهات” الذي دعا إليه جلالته في أكثر من مناسبة. إنها مشروعية تنموية تشهد عليها الأرقام، وتترجمها التحولات الاجتماعية والاقتصادية في الميدان.
بفضل الرؤية الملكية، انتقلت قضية الصحراء من كونها ملفاً إقليمياً إلى نموذج للريادة الاستراتيجية المغربية على المستوى الدولي. فقد أضحت المبادرة المغربية للحكم الذاتي مرجعية أممية تحظى بدعم واسع من القوى الكبرى، باعتبارها الحل الوحيد والواقعي للنزاع المفتعل، وهو ما أكده القرار الأممي الأخير الذي تبنى بوضوح الأطروحة المغربية. كما جعلت الدبلوماسية الملكية من القارة الإفريقية امتداداً طبيعياً لمصالح المغرب، من خلال شراكات تنموية وروحية واقتصادية تعكس العمق الإفريقي للمملكة وتعزز مكانتها كقوة استقرار في المنطقة.
إن الرؤية الملكية السامية في قضية الصحراء المغربية ليست مجرد سياسة ظرفية، بل مشروع وطني ممتد الأمد تتكامل فيه الشرعية التاريخية مع المشروعية الشعبية، وتترجم فيه التنمية إلى أداة للدفاع عن السيادة. وبقدر ما تكرس هذه الرؤية الريادة المغربية على الصعيدين الإقليمي والدولي، فإنها تعكس أيضاً التحول العميق في مفهوم الوطنية، الذي أصبح يرتكز على الفعل والإنتاج والإنجاز، لا على الشعارات. فالصحراء المغربية اليوم ليست فقط رمزاً للوحدة، بل عنوان لمغرب جديد يقوده جلالة الملك محمد السادس بثقة نحو المستقبل، على قاعدة التاريخ، وبمشروعية الإنجاز.

