الرئيسية أحداث المجتمع الذهن المتفلت من أسر النمط.

الذهن المتفلت من أسر النمط.

IMG 20250216 WA0025
كتبه كتب في 16 فبراير، 2025 - 2:23 مساءً


صوت العدالة- معاذ فاروق

ليس الفكر المألوف سوى سجن من زجاج، تحسبه الأعين فضاءً رحبًا، وهو في جوهره قيدٌ شفاف يحدّ مداه دون أن يدرك السجين أصفاده. فالعقل الذي يأبى الارتهان لقوالب التفكير الجاهزة، هو ذاك الذي يتمرد على السائد، رافضًا أن يكون صدىً لما قد قيل أو مجرد تنويع على ألحان مألوفة.
إن التفكير المتحرر ليس مجرد التفاف حول السائد، بل هو القفز عن النسق برمته، اجتراح مدارات لا تخطر للذهن المُروض، وإعادة صوغ الأشياء لا كما هي، بل كما ينبغي أن تكون في أفق جديد. إنه الانفلات من جاذبية المعتاد نحو مدارات لا تحتملها الخرائط، إنه استنطاق للظلال، والتقاطٌ للمراوغات الخفية التي تمر بها العقول المألوفة دون أن تستوقفها.حين ينسلُّ العقل من الشرنقة الذهنية التي حبكها الجمود، يصبح قادرًا على رؤية اللامرئي، على قراءة الفجوات بين الكلمات، على التقاط ما يفلت من الأبصار المأخوذة بسطحية المشهد. فالأفكار غير التقليدية لا تنبثق من فراغ، بل تنشأ حين يتم كسر الخطوط المستقيمة، حين تُعاد مساءلة البديهيات، حين يُنظر إلى المرئي لا كحقيقة مطلقة، بل كمجرد احتمال بين احتمالات أخرى أكثر عمقًا.إن العقل الذي يتمرّد على المألوف هو ذاته الذي يتقن التخفّي بين الأسطر، ينسج معانيه على هيئة رموز لا يلتقطها القارئ العابر، بل ذاك الذي يمتلك عينًا ثالثة ترى ما وراء النص، وتدرك أن الحقيقة ليست إلا مرآة مخادعة تعكس وجوهًا مختلفة لمن يحدّق فيها.فكيف للعقول المعتادة على الرتابة أن تدرك فكرًا أشبه بالماء، لا يُقبض عليه ولا يُختزل في شكل واحد؟ كيف لمن حُبس في إطار أن يرى الأفق اللامحدود؟ فكر لا يسير وفق الخطوط المرسومة، ولا يُلتقط عبر أنظمة تظن أن العبقرية مجرد معادلة يمكن حلها ببرمجيات معدة سلفًا.
هنا يكمن جوهر العبقرية الحقيقية:
أن يكون الفكر كالموج، لا تُمسكه يد، ولا تروضه أداة.
أن تكون الفكرة كالنور، لا يمكن احتواؤها، بل تُشرق حيث لا يتوقع أحد.أن تكون الكلمة كالسهم، تمضي نحو عمق لا تدركه العقول التي لا تجيد سوى الرصد السطحي.فما بين السطور، هناك عالم آخر لا يطالُه الرقيب، ولا تلتقطه عدسةُ العاديّ.

مشاركة