في مداخلة علمية متميزة، تناول الأستاذ عزالدين الماحي، اليوم برواق رئاسة النيابة العامة بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، موضوع الذكاء الاصطناعي ودوره في تجويد منظومة العدالة، من زاويتين تكاملتا بين التشخيص النظري والطرح العملي، ملامسا بذلك إشكالات وتحديات راهنة تشغل المهتمين بالشأن القضائي والتحول الرقمي بالمغرب.

في مستهل مداخلته، أشار الأستاذ الماحي إلى أن الفكر القانوني نجح في تكييف الوسائل الإلكترونية التقليدية ضمن المنظومة القانونية، لكنه ما زال متعثرا في ضبط مفهوم الذكاء الاصطناعي وإعطائه تأصيلا قانونيا دقيقا. وأضاف أن الإشكال لا يكمن فقط في التعريف، بل يتجاوز ذلك إلى صعوبة تحديد الطبيعة القانونية للذكاء الاصطناعي، وما يترتب عنها من إشكالات تشريعية وقضائية وأخلاقية معقدة.

وأكد المتحدث أن المغرب خطا خطوات معتبرة في هذا المسار، مستعرضا بعض الإنجازات التشريعية كقانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، وقانون 09.08 لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، وكذا القانون 05.20 الخاص بالأمن السيبراني، علاوة على المجهودات الكبيرة التي بذلتها وزارة العدل والسلطة القضائية في الرقمنة والتحول الرقمي.

وفي معرض تشريحه للإشكالات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، توقف الأستاذ الماحي عند قضايا حساسة، منها علاقته بحقوق الإنسان، ومدى قدرته على تحقيق الأمن القضائي، وأثره على السلطة التقديرية للقاضي، إلى جانب تساؤلات حول مدى حياديته، وحدود المسؤولية المدنية والجنائية في حال وقوع خطأ أو انحراف، مؤكدا أن “العدالة لا يمكن اختزالها في خوارزميات أو أرقام، لأنها تقوم على قيم إنسانية وشعور إنساني يصعب برمجته رقميا”.

وفي الشق العملي، أبرز الأستاذ الماحي أوجه توظيف الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة العدالة، من خلال تعزيز الشفافية، تسريع الإجراءات، تحسين الأمن القضائي، تسهيل الوصول إلى السوابق القضائية والمعلومة القانونية، وتلخيص الوثائق، بل وحتى دعم القاضي في تحليل المعطيات واتخاذ قرارات أكثر دقة وفعالية.

واختتم الماحي مداخلته بجملة من التوصيات، أبرزها ضرورة مأسسة الذكاء الاصطناعي ضمن إطار قانوني واضح، وإرساء بنية تشريعية تستحضر مبدأ المواكبة القانونية للتطورات التقنية، مع ضرورة الاستثمار في التكوين وتوفير موارد بشرية مؤهلة، وتطوير بنية تحتية رقمية آمنة، واستحضار الأمن السيبراني، ووضع خطة للطوارئ تحسبا لأي خلل أو سوء استخدام، دون إغفال أهمية الاستفادة من التجارب الدولية الرائدة في هذا المجال.
بهذه المداخلة، يكون الأستاذ عزالدين الماحي قد فتح نقاشا عميقا حول الحدود الممكنة والضرورية للذكاء الاصطناعي في المنظومة القضائية، داعيا إلى مقاربة متوازنة تراعي الإمكانيات التقنية دون التفريط في القيم الإنسانية التي تشكل جوهر العدالة