الرئيسية آراء وأقلام الذاكرة الموريسكية الجريحة بين الحفظ و رد الاعتبار

الذاكرة الموريسكية الجريحة بين الحفظ و رد الاعتبار

IMG 20180921 WA0040.jpg
كتبه كتب في 21 سبتمبر، 2018 - 7:32 مساءً

 

بقلم الإعلامية و الكاتبة و الباحثة نادية الصبار

 

ل”فيديريكو غارثيا لوركا” الشاعر و المسرحي و الموسيقي الإسباني قولته الشهيرة : “بضياع الأندلس ضاعت حضارة رائعة لا نظير لها ، ضاع الشعر ، ضاعت علوم الفلك ، ضاعت الفنون المعمارية و حياة مترفة فريدة لا مثيل لها في العالم أجمع “.
فهل ضاعت حقا هذه الحضارة المترفة ؟ هل تمكن الملكان الكاتوليكيان “فرناندو” و “ايزابيل” ذوا النزعة المعادية للإسلام من طمس الذاكرة العربية و الإسلامية التي عمرت المعمور لقرون امتدت منذ الفتح الإسلامي إلى البطش الكاتوليكي ؟!
هل نجحت كل المحاولات المتعصبة للدين المسيحي في وجه الأديان الأخرى على رأسها الإسلام و بعده اليهودية ؛ في طمر و طمس كل المعاقل و المآثر و المباني و المخطوطات و الكتب التي لا تعد و لاتحصى في الهندسة و الجبر و علوم الأرض و الحياة و الفلك و الفلسفة و التاريخ و الجغرافيا و علوم الدين و الكهنوت و الأدب و الفن و المعمار و الزراعة و الصناعة ؟!
فالملك أبا عبد الله الأصغر على حد قول الكاتبة الإسبانية “ماغدالينا لاتالا ” -و لو أني لا أتفق معها -كان رجلا شجاعا يدرك أنها النهاية فسلم بلا هوادة مفاتح الحمراء . لعلها نظرة شوفينية تختزل كل شيء في شيء واحد . ماذا عن من خلفوا المعمور و ما إليهم كان النسب ؟! ماذا عن عمليات الحرق الممنهج للمخطوطات التي كتبت في أغلبها بماء الذهب إلا ما سلم منها ليبقى شاهدا أن تمة حضارة اغتيلت ؟!
مرت 526 سنة على تسليم أبي عبد الله الصغير غرناطة آخر معاقل الإسلام في الأندلس . مدة رغم طولها الزمني مع بعد مكاني ، لم تندمل جراح المورسكيين و لم تطب . و إذ التاريخ لا يعود للوراء لكنه عاد لا ليتوقف و يبقى قيد بكاء و بكاءين على أطلال هي من الشاهدين ، بل ؛ لحفظ ذاكرة عند الذاكرين من أبناء هذا التراث البررة الحافظين …
الدكتور الصيدلاني و المختص بالقانون العام و الكاتب ذو الحرف الناقب و السهم الثاقب ، لم يمنعه قدره و لا شأوه من أن يتبرم من ذاكرة هي ذاكرة الأندلسيين ، بل جعل مهمة حفظها بمعية آخرين مهمة أساسية و قضيتهم الكبرى و الأولى ، فالدكتور “نجيب لوباريس” يسهر على رأس مؤسسة اختير لها اسم “مؤسسة ذاكرة الأندلسيين” ، آخذة على عاتقها مهمتين شاقتين : حفظ المحفوظ و اللوذ له بالاعتراف ممن كان أجدادهم سببا في ضياعه و شتاته و شتات أهله ، فيكون الاعتراف كصك للغفران و مدعاة للتسامح …
و لحفظ المحفوظ ؛ قامت المؤسسة التي انضم لها أبناء القضية الموريسكية من بني جلدتها و المؤمنون الذين تجمعهم روابط التقدير و الاحترام و العرفان و الامتنان لما جلبوه من معارف و مدارك ، زانت مدنا استوطنوها فزادت في الجمال و الأنس فالحسن ، كطنجة العالية و الشاون الجوهرة و تطاون و سلا و فاس و غيرها من المدن العتيقة . ما فتئت مؤسسة ذاكرة الأندلسيين مذ تأسيسها تعرف بالقضية الموريسكية من خلال ندوات دولية تمت طباعة أشغالها : “القضية الموريسكية و القانون ” تنسيق الدكتورة كوثرالعمري ، الأستاذة رحمة الحضري و الدكتور نجيب لوباريس ، منشورات مركز ذاكرة الأندلسيين و كتاب “الموريسكيون و أربعة قرون بعد التهجير” تنسيق الأستاذة رحمة الحضري ، منشورات مركز دراسة الأندلس و حوار الحضارات . كما قامت المؤسسة عدا ذلك بنشاط ثقافي بالثامن من دجنبر 2016 بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط حول كتاب “نبذة عن حياة بعض أفراد عائلة فارشادو الأندلسية الرباطية “للكاتب “إدريس فارشادو” . هذا و قد صدر للدكتور نجيب لوباريس سيرة ذاتية بعنوان : “من أوليباريس إلى لوباريس – سيرة أسرة مهجرة من الأندلس إلى الرباط – قدمه الدكتور عباس الجراري .
كما وجب الذكر لأهل الذكر مشاركة مؤسسة ذاكرة الأندلسيين في ندوة “القضية الموريسكية في ضوء التشريع الإسباني و منظومة حقوق الإنسان” و التي حضرها نخبة من الأندلسيين المغاربة و بعض الأجانب و بمشاركة خبراء من المغرب و مصر و إسبانيا و البرتغال على مدى يومين تمخضت عنها توصيات جلى حملت اسم “تصريح قصبة الأندلس” ، في مقدمتها تأسيس مجمع للتوثيق و الدراسات حول ذاكرة الأندلس و الشتات الموريسكي ، غايته الاعتراف بهذا التراث و الوقع الذي خلفه بالهوية الإسبانية و البرتغالية و في بلدان البحر الأبيض المتوسط .
طالب نشطاء المؤسسة بعدة مطالب آجلة و أخرى عاجلة ، طالبوا بالمساواة بينهم و بين السفارديم حفدة اليهود المطرودين الذين سمح لهم القانون الإسباني المصادق عليه من طرف البرلمان بحق التجنس شريطة إثبات الصلة بينهم و بين إسبانيا ، ما حذا بالدكتور “نجيب لوباريس” لأن يصفه بالانتقاء العرقي . أما الدكتور “حسن اوريد” الناطق الرسمي باسم القصر الملكي سابقا و صاحب رواية “الموريسكي” ؛ في حوار مع إحدى الفضائيات قال : “بأن منح الجنسية للسفارديم يمكن عده عدالة إلا أن العدالة الانتقائية ليست بعدالة ” .
و إذ يحتفل الإسبان بالثاني من يناير ذكرى استرجاع غرناطة ، ففي الضفة الأخرى طالب موجوعون بتخصيص يوم وطني للذاكرة الموريسكية ، حيث اقترح النشطاء التاسع من نيسان (أبريل)من كل عام يوما وطنيا .
هذا و تواصل المؤسسة جهودها للتعريف بالقضية الموريسكية من خلال لجنة الإعلام التي تترأسها الصحافية المقتدرة و وجه من وجوه الإعلام و الشاشة بالإذاعة و التلفزة المغربية الأستاذة سعاد الحاجي ، التي بحكم خبرتها الواسعة تعمل على قدم و ساق بمعية أعضاء نشيطين للتعريف بالقضية الموريسكية محليا و دوليا . كما قامت الدكتورة و الحقوقية دليلة الطيبي المقيمة بالديار الإسبانية بجهود كبيرة في التعريف بالمؤسسة على رأسها لقاء مع عامل مدينة إشبيلية السيد “ايسيدورو راموس كارسيا” الذي سلمته نسخة مهداة من كتاب الدكتور “نجيب لوباريس” السالف ذكره، وهو سيرة ذاتية توثق لمرحلة من تاريخ أسرة ينتمي إليها و سنوات المحنة و التهجير و ما بعد التهجير : “من أوليباريس إلى لوباريس -سيرة أسرة مهجرة من الأندلس إلى الرباط ” ، رحب عامل مدينة إشبيلية بفكرة التعاون المشترك بين عمالة إشبيلية و مؤسسة ذاكرة الأندلسيين ؛ مقترح تقدمت به المؤسسة على لسان الدكتورة دليلة الطيبي . و قد حضر هذا اللقاء السيدة المندوبة التي عبرت عن سعادتها للاشتغال حول موضوع المرأة عموما و المرأة الموريسكية خصوصا و التعريف بقضيتها و قضية كل المورسكيين .
تستمر عملية النضال من المغرب لتتعداه إلى إسبانيا و لازالت المسيرة متواصلة ؛ و ما الندوة الدولية الثالثة التي ستنظمها مؤسسة ذاكرة الأندلسيين بالعاصمة المغربية للمملكة بغضون هذا الشهر ، إلا دليل على قوة القضية ، و أنه لا محالة ؛ ستستمر الجهود إلى أن تثمر اعترافا و ردا للاعتبار من لدن الحكومة الإسبانية ، و المساواة بينهم و بين السفارديم و منحهم حق التجنس ، و لو أن الجنسية ليست مطلبا لذاته و لكنه اعتراف ضمني بالانتماء و رد للاعتبار .

مشاركة