الرئيسية رياضة الديربي الميت : كيف دفنت القرارات الإدارية عرس الكرة المغربية

الديربي الميت : كيف دفنت القرارات الإدارية عرس الكرة المغربية

كتبه كتب في 19 نوفمبر، 2024 - 6:19 مساءً

محمد جعفر

من عرس كروي عالمي إلى ديربي مقبور

ظل الديربي البيضاوي بين الرجاء والوداد علامة فارقة في كرة القدم الإفريقية والعالمية، يحظى بمتابعة واسعة من الجماهير المحلية والدولية، ويُعتبر من أبرز المواجهات الكروية التي تعكس التنافس الرياضي بين فريقين كبيرين يمثلان قلب مدينة الدار البيضاء، إلا أن ما كان يُعدُّ عيداً كروياً جماهيرياً بات اليوم يعاني من قرارات إدارية وبرمجية أثرت بشكل كبير على قيمته وشعبيته وحولته من عرس كروي عالمي إلى دربي مقبور .

في سنوات مضت، كان الديربي البيضاوي يحبس أنفاس الجماهير المغربية والعربية بل وحتى العالمية، حيث كان ملعب محمد الخامس يتحول إلى مسرح للاحتفالات الجماهيرية الاستثنائية. الالتراس بمجموعاته المختلفة أبدعت في رسم لوحات فنية مبهرة على المدرجات، تُجسد الشغف والحب لكرة القدم، وتُظهر قوة التنافس الرياضي والثقافي بين الناديين، حتى فوق أرضية الملعب، فكان اللاعبون يدركون حجم المسؤولية، ويقدمون أفضل ما لديهم في أجواء لا تُنسى، تضفي عليها الجماهير الحاضرة نكهة خاصة ومحفلا نصف موسمي ينتظره الجميع، يحقق نسب مشاهدة غير مسبوقة، ويُتداول عبر وسائل الإعلام العالمية كواحد من أعظم الديربيات.

مع مرور الوقت، بدأ الديربي يفقد بريقه تدريجياً بسبب قرارات إدارية أثرت على جودته وأهميته. فقرار برمجة المباراة في يوم عمل ودراسة، وتحديداً بعد صلاة الجمعة بساعتين، أثار استياء الجماهير، التي تجد صعوبة في الحضور أو المتابعة، مما يؤدي إلى تراجع الحماس والإقبال.

الأدهى من ذلك، هو قرار إقامة الديربي بدون جماهير، والذي يعتبر بمثابة طعنة في قلب هذا العرس الكروي. الجماهير ليست مجرد متفرج، بل هي جزء لا يتجزأ من الديربي، تُضفي عليه روح التنافس وتجعل منه حدثاً استثنائياً.

غياب الجماهير عن المدرجات يعني غياب الأهازيج، والتيفوهات، واللوحات الفنية التي طالما أبهرت العالم. كما أن هذا القرار يسلب اللاعبين الدافع الإضافي الذي يمنحه حضور الجماهير، مما ينعكس على الأداء الفني للمباراة.
تحولت مباراة الديربي التي كانت تُعتبر نموذجاً للمنافسة الرياضية الشريفة والمشاهد المثيرة، إلى مباراة عادية، فاقدة لكل عناصر الجذب والإثارة.

التساؤل الذي يفرض نفسه هو: لماذا يتم برمجة الديربي في توقيت يحد من إمكانية الحضور الجماهيري؟ ولماذا يتم تغييب الجماهير التي تُعدّ القلب النابض لهذا الحدث؟
أسباب متعددة قد تكون وراء هذه القرارات، منها اعتبارات أمنية أو تنظيمية، لكن في المقابل، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار قيمة هذا الديربي كمنتج رياضي وثقافي يُسوق المغرب كوجهة رياضية عالمية.

الديربي البيضاوي ليس مجرد مباراة كرة قدم، بل هو إرث ثقافي ورياضي يجب الحفاظ عليه وتطويره. لا يمكن أن نسمح بتحويل هذا الحدث من مناسبة استثنائية إلى مباراة عادية تُلعب في ظروف تُجهض روح المنافسة.

على الجهات المسؤولة أن تعيد النظر في طريقة تعاملها مع هذا الحدث، وأن تُشرك الجماهير في القرارات المتعلقة بتنظيمه. فالديربي هو ملك للجماهير قبل أي شيء، ومن دونهم لن يعود أكثر من مباراة تُسجل في سجلات التاريخ كـ”ديربي مقبور”.

يبقى الديربي البيضاوي بين الرجاء والوداد حدثاً يحمل في طياته الكثير من المشاعر، الذكريات، والتطلعات. وحتى لا نفقد هذا الكنز الكروي، يجب أن نعمل جميعاً على إعادته إلى مكانته الحقيقية كواحد من أعظم الديربيات في العالم.



مشاركة