ليس هناك ما يقوي شخصية الدولة أكثر من إلزامية تطبيق القانون والبحث في سريرة المسؤولين، و ليس فقط وجود عناصرها كاملة المتمثلة في الشعب والاقليم والسلطة السياسية، فالاحساس بالانتماء إلى الدولة وان كانت مستبدة أفضل حال من الانتماء إلى دولة يسيئ المتصرفين والمتكلمين باسمها بإظهار القانون للمواطنين و ابطان السيبة والغدر ونشر قاعدة نحن نعمل بالظاهر والله يتولى السرائر. فهل السرائر هي شيك على بياض للسالكين باسم الدولة؟ تعتمد الدولة أساليب دقيقة للكشف عن الذين يجتهدون سلبا ويسيؤون لها للحفاظ على شرعيتها ومصداقيتها وقدراتها وحرمتها واستمرارها وتكافئ من يجتهدون إيجابا ويحسنون الانتاج والمردودية وجودة الأداء باسمها، لكن ما يحصل أحيانا هو العكس من ذلك لاسيما الذين يتصرفون باسم المؤسسات المنتخبة حيث تنعدم في جلهم الجدية والترفع والنمذجة والقدوة ويصعب محاسبة هؤلاء لتقاطع وتشابك علاقاتهم التي تؤثر على القضاء والإدارة فتتهاوى بذلك المساءلة. لا يمكن غض البصر عن من يغتنم الفرص في الدولة بعدما يتعمق في دروب المسؤولية ويتيقن بنسبة كبيرة من الإفلات من العقاب، مما يؤدي إلى انفصام شخصية الدولة لديه وتصبح القوانين المكتوبة فاقدة لعنصر الإلزام المادي كركن معنوي للقانون، وتشيع الممارسات بالتبعية أو القياس فتسيب المسؤولية وينتهي الانتماء إلى الدولة عند عامة المواطنين فتنهار الأوضاع النفسية الاجتماعية والاقتصادية، و تتغير العادات والثقافات إلى الأسوأ، وتظهر تحولات لا يمكن مجاراتها امنيا فقط. لقد أثبتت التجارب التاريخية أن الشعوب هي مكونات كيميائية تتحول بحسب المناخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتي تقوم الدولة بالتخطيط والبرمجة لها واعادة توزيعها بشكل متنظم في عالمنا المعاصر. إن القائمين على الدولة مطالبين بإجراء قراءة في شخصيتها وإعادة رسم الحدود التي لا يمكن تجاوزها وترقيمها ولا يكفي إصدار القوانين دون خضوعها للتجربة وإزالة العراقيل وإصلاح الهفوات وتتبع تنزيلها ومدى فاعليتها وربطها بحل المشاكل المطروحة والا ما الغاية من إصدارها ؟ إن الإحساس بالبعد بين النص القانوني والواقع لدى الجمهور يبين الانفصام الحاصل في شخصية الدولة عند المسؤولين وهو ما يفقد الثقة والهيبة فيها، ومن بين المؤشرات الدالة على ذلك ميول المواطنين إلى انتزاع حقوقهم بيدهم اتجاه بعضهم كقضاء الشارع، والإساءة إلى المسؤولين ( بضربهم وسبهم …) دون تردد لأنهم افقدوا الاحترام والهيبة التي البستهم إياها الدولة، الشيء الذي يبين شخصية الدولة المنفصمة فيهم، وبالتالي زوال هيبة الدولة القانونية.
الرئيسية آراء وأقلام الدولة التي تفرط في – الثروة والمواطنة وتطبيق القانون- منفصمة الشخصية في من يحملون صفتها.
الدولة التي تفرط في – الثروة والمواطنة وتطبيق القانون- منفصمة الشخصية في من يحملون صفتها.

كتبه Aziz Benhrimida كتب في 16 سبتمبر، 2016 - 11:39 مساءً
مقالات ذات صلة
12 ديسمبر، 2025
حين تصبح الحقيقة جريمة: لماذا يهاجمون كل من ينصف أهل الرشيد؟
بقلم:ذ. عبد القادر برهوما تعرّضت في الأيام الأخيرة لوابل من الهجومات غير المبررة على خلفية نشر مقال تناول المشاركة المتميزة [...]
11 ديسمبر، 2025
الفاعل السياسي مقابل المقعد الصامت: حسن الشاديلي يحرك الملفات، وصلاح الدين أبو الغالي يغلق باب الرقابة
يعتبر الأداء البرلماني أحد الركائز الأساسية للممارسة الديمقراطية، باعتباره الأداة الدستورية التي تجسد تمثيلية المواطنين داخل المؤسسة التشريعية، وتضمن مراقبة [...]
10 ديسمبر، 2025
محمد أمين ترابي… خريج «الأخوين» الذي أعاد إلى مؤسسته روح المبادرة، وفتح أمامها آفاقاً جديدة بتدبير حديث ورؤية اجتماعية رصينة.
بقلم رشيد حبيل. يقول ونستون تشرشل: «إنّ مستقبل كل مؤسسة يُبنى حين يتقدّم أشخاص يملكون الشجاعة ليفعلوا ما هو صائب، [...]
10 ديسمبر، 2025
العقوبات البديلة وعقلنة تدابير الاعتقال الاحتياطي: رؤية حديثة للسياسة الجنائية المغربية
يشهد التشريع الجنائي المغربي تحولا نوعيا يعكس تبنّي رؤية حديثة لمنظومة العدالة الجنائية، تقوم على اعتماد العقوبات البديلة باعتبارها آليات [...]

