الرئيسية آراء وأقلام الدرس الكوروني

الدرس الكوروني

IMG 20200607 WA0080
كتبه كتب في 7 يونيو، 2020 - 4:01 صباحًا

طارق مرحوم/سلا


بعد أن كانت الصين مضرب المثل في البعاد، دشن كورونا رحلة عكسية إلى باقي أصقاع العالم،في أكبر تجل للعولمة التي تكسر كل الحواجز،وتذيب كل الحدود،فكرونا بهذا التوصيف أحسن مثال للعولمة ،حين تعبر الأفكار و السلع و السياسات والڤيروسات ….العالم كله،وتصير طريقة اللباس في أمريكا صيحة « موضا »في تنزانيا ،ولكن عندما عم الوباء ،كان السبيل الأوحد للنجاة هو العودة إلى الدولة القطرية المنفصلة عن العالم،حيث إغلاق كل الحدود البرية و البحرية والجوية،بل والتقوقع أكثر من ذلك في المنازل التي صارت طوق نجاة من بحر كورونا الهائج.
إن المنزل مأوى بيلوجي فقط، هكذا عهدته المجتمعات الصناعية التي تعيش السرعة من أجل كسب الوقت الثمين ،أمام متطلبات الإنتاج الرأسمالي الجشع،إلى درجة أنها منحت نداء الأمعاء الفارغة، وجبة سريعة تقيم أود العامل فيها ،لكي يواصل عمله أمام آلة سريعة،هذه الوجبات السريعة هي الأخرى سافرت سفرا غير محمود،فأكلات ماكدوونالد الحثيثة، مخصصة للعمال في دول الشمال، لكنها استقرت في دول الجنوب على كونها رمزا للترف والوجاهة،فصار الواحد منا يفاخر بتناولها ، علها تمكنه من صهوة البورجوازية ولو للحظة وجيزة.
في أزمة كورونا صار البيت أنجع وسيلة للوقاية،وأعاد التفكير إلى دوره الحقيقي عوض آعتباره ذا خدمات حاجية صرفة،إنه مملكة الذات ، وموثق الذكريات ،وقديما أنشدت العرب أشعارا بكى فيها الشعراء الأطلال ،فالبيت مشيمة الحنين إلى الماضي الدفين،وهو المنيع الحافظ للخصوصية،فهو الفيصل بين حياة شخصية وطالبي أخبارها من الفضولييين،فالحدود زمن كرونا صارت مقدسة ،والانفتاح مدعاة للخطر والمهلكة،وكثيرة هي الڤيروسات البشرية التي تقتات على أخبار الناس،وهنا وجب التعقيم بمحلول “من قال لك قال عنك”و التنبه لنداء (إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا)،حتى إذا جف نبع الخبر عندها ،تصنعت بمخاض الرذيلة غيره ،عساها تشعر بحرارة الظفر ولو متوهمة.
إن كرونا أعاد الدول إلى قطريتها بعد عولمة جارفة،وأرجع الأفراد إلى منازلها بعد أن كانت في الشوارع هائمة،فلملمة الذات سبيل الخلاص حسب المنطق الكروني ،المتحدث باسم جميع الڤيروسات،بعد الاجتماع التأسيسي الأول في ووهان الصينية.
لقد أيقنت الدول اليوم ،أنه لا مكان للمشاعر ، ولا وزن لخطابات التضامن الدولي، لقد صارت الأوطان في سباق البقاء شبيهة بحياة البراري الضارية،وفشل الضمير الإنساني في آختبار كوروني.
طارق مرحوم

مشاركة