الرئيسية آراء وأقلام الحكامة الأمنية والإصلاح الحقوقي بالمغرب

الحكامة الأمنية والإصلاح الحقوقي بالمغرب

15697628 127357514428603 4996373213530038346 n.jpg
كتبه كتب في 28 يناير، 2017 - 1:23 صباحًا

بقلم الأستاذ خالد الذهبي

ا

الحديث عن المجال الأمني ليس بالأمر اليسير، فقد كان إوقت قريب موضوع الأمن من المواضيع الممنوع الحديث فيها بالأحرى انتقادها، لكن مسلسل الإصلاح الشامل الذي دخل فيه المغرب مع بداية الألفية شمل كل جوانب الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والأمنية …الخ. ويأتي موضوع إصلاح المنظومة الأمنية انطلاقا من اعتبار الأمن عملية تتطلب الإصلاح بناء على النظرة المتعقلة والرصينة لتوازنات الدولة الشاملة، واعتماد إصلاحات جذرية في مفاهيم السلطة والمواطنة ونقاط التلاقي بينهما ومنها الحكامة الأمنية. فماذا يقصد بالحكامة وما المقصود بالأمن .

إن لمفهوم الحكامة ارتباط بالاقتصاد منذ القرن 18 و19 م، والأصل فيه أنه تعبير عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده، واليوم أصبح متداولا من طرف المنظمات الدولية ولاسيما صندوق النقد الدولي كمؤسسة موجهة للأنظمة المرتبطة به عن طريق الديون، وأصبح مفهوم الحكامة اليوم يعني التدبير السليم لمؤسسات الدولة، وحكم تقوم به قيادات سياسية منتخبة وأطر إدارية كفؤة لتحسين نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم. وللحكامة أسس تتمثل في منظومة القيم التي ترسم معالم الهوية الوطنية والموزعة عبر مختلف النصوص القانونية والضاربة جذورها في ثقافة المجتمع وتاريخه، وتجلياتها كثيرة منها نكران الذات والموضوعية والاعتراف بالآخر والايمان بالقيم وتصريف الجهد بالحس القوي والضمير الحي لخدمة المصلحة العامة. إلا أن الحكامة في المجتمعات العربية ليست بنفس المقاييس التي توجد عليها في الدول الغربية نظرا لاختلاف كثير من الأسس رغم أنها تلتقي في البعض منها.

إن أساس مفهوم الحكامة تطوقه مجموعة من القيم والعادات والمعتقدات التي تتحكم في فكر وسلوك الحاكم أومن يمتلك سلطة، فكلما كانت منظومة القيم الاجتماعية والدينية والسياسية والقانونية منسجمة إلا وأعطت شخصية سوية نسبيا، كما يسعف ذلك في تحمل المسؤولية والاحساس بأهميتها وبمخاطرها وعواقب الفشل وإيجابيات النجاح.
أما مرتكزاتها فهي نوعين إحصائية ورقابية، أي أنها عقلية تعمل بمجموعة من القناعات والآليات كالضبط والتحكم وتوجيه نشاطات المؤسسات الوطنية والمحلية في شتى المجالات، وكذلك تشجيع التسيير التشاركي واحترام الضوابط القانونية وتكامل الأدوار بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، لإثبات حسن التدبير والتوافق واحترام الاستراتيجيات الموضوعة وتحقيق النتائج بالجودة والفعالية المتوخاة، بينما المرتكز الرقابي فيتمثل في الذاتي بالتقييم والنقد والموضوعي بتعليل القرارات من خلال الدراسات والتقارير واستطلاعات للرأي وتتبع المنجزات وجعل الموظف العمومي تحت المراقبة لإبعاده عن الفساد وكل مظاهره والتوجه نحو التصريح بالممتلكات وصولا إلى الإدارة الخدومة أو الإدارة المواطنة.

والأمن بمفهومه الواسع يرتبط بحياة الانسان عموما ،كالأمن الغذائي والأمن الروحي والأمن التربوي والأمن البيئي والأمن البيولوجي والأمن المائي والأمن الهوياتي والأمن الصحي…الخ. أما الأمن بمفهوم استعمال القوة من أجل الحفاظ على السكينة والهدوء والأمن العام – ونظرا لارتباطه الواسع بالوطن والدولة والمجتمع والمؤسسات- فإن المقاربة الأمنية مع تطور المجال الحقوقي المدستر والمرتبط بمسار الديمقراطية التي وسعت مطالب الشعوب وهامش الحريات الفردية والجماعية، فرض تعميق الاصلاح تفاديا لتأجيج الأوضاع وخلق اضظرابات وحراك قد يغير الأوضاع إلى الأسوأ كما حدث في بلدان عربية ومغاربية والتي ما تزال عالقة دون أمن ولا ديمقراطية .
هذا وتفترض المقاربة الأمنية طرح عدد من الأسئلة في ارتباطها بالحكامة حتى يمكن محاكاتهما بشكل جيد وهي: لماذا وكيف ومتى تستعمل القوة ؟ وما حدود استعمالها؟ وما هي العلاقة بين استعمال القوة والحكامة الأمنية؟ وهل توصيات هيئة الانصاف والمصالحة تعني حكامة استعمال القوة؟ وهل إحداث مجلس أعلى للأمن هو نقلة نوعية من أجل أبعاد أمنية ترقى للمستوى الدولي؟
لقد كان من أهم المبادرات السياسية التي اتخذها الملك محمد السادس العمل على تصفية التركة السياسية الثقيلة التي خلفها أسلوب الملك الراحل الحسن الثاني طيلة فترة حكمه التي دامت ما يقارب 38 سنة. ففي مواجهته لمعارضة سياسية تمثلت في قوى اليسار بزعامة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ومكونات الحركة الماركسية اللينينية، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بالإضافة إلى بعض الانقلابات العسكرية أو العمليات المسلحة التي كان قد خطط لها الفقيه محمد البصري من خارج البلاد، وفي محاولة احتوائه لانتفاضات شعبية متعاقبة همت مدنا كبرى، كالدار البيضاء، وفاس ومراكش، وبعض مدن الشمال، لجأ نظام الملك الحسن الثاني إلى مختلف أنواع القمع والتنكيل؛ من تصفيات جسدية، واختطافات، وإخفاءات قسرية، ومحاكمات، وسجن لمدد طويلة، مما خلف عدة انتهاكات حقوقية كانت مثار انتقاد عدة أوساط حقوقية دولية ووطنية، والتي تجلت خاصة من خلال قضية معتقلات سرية؛ كسجن تزمامارت، وقلعة مكونة… وقضيتي اعتقال كل من الشاعر عبد اللطيف اللعبي، وأبراهام السرفاتي، وباقي المعتقلين السياسيين الذين كان النظام يرفض الاعتراف لهم بهذه الصفة السياسية.
ولمعالجة هذا الوضع، والتخفيف من هذه الضغوطات الدولية، اتخذ الملك الحسن الثاني، في بداية التسعينيات من القرن 20، إجراءات تهم بالأساس إطلاق ما تبقى من معتقلي سجن تازمامارت وهدم بناياته، وإصدار عفو شامل على العديد من المعتقلين السياسيين والمنفيين. كما عمل على تأسيس مجلس استشاري لحقوق الإنسان، ومنح تعويضات للمعتقلين الذين تعرضوا لانتهاكات من طرف الدولة. وبالموازاة مع ذلك، تم العمل على محاولة تلميع صورة المؤسسة الأمنية في نظر الرأي العام، من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير كان من أهمها تغيير اللباس الرسمي للشرطة، والسماح للعنصر النسوي التابع لجهاز الشرطة بالظهور في الشارع العام، من خلال تنظيم حركة المرور على سبيل المثال.
وقد تابع الملك محمد السادس، بعد توليه الحكم في يوليوز 1999، تنقية هذا الجو؛ إذ بمجرد توليه العرش، اتخذ عدة مبادرات ذات دلالة سياسية وإعلامية قوية؛ من أهمها السماح لأبراهام السرفاتي، أهم معارضي نظام الحسن الثاني، بالعودة إلى البلاد، وتكليف السيد حسن أوريد، أحد أصدقاء الملك الجديد، باستقباله في المطار، كما رفع أيضا الإقامة الإجبارية عن شيخ جماعة العدل والإحسان عبد السلام ياسين، التي فرضها حكم والده على هذا المعارض الأصولي.
لكن إلى جانب هذه الإشارات السياسية ذات المنحى السياسي والدعائي، أظهر الملك الجديد عزمه على تكريس هذه السياسة من خلال تأكيده في أول خطاب للعرش، في 30 يوليوز 2000، على مواصلة سياسة تصفية تركة الانتهاكات الجسيمة التي خلفها حكم سلفه؛ حيث أعلن بهذا الصدد على ما يلي:
وفي هذا السياق الرامي إلى تركيز دولة الحق والقانون، أولينا عناية خاصة لحقوق الإنسان، وأحدثنا هيئة مستقلة للتحكيم بجانب المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لتعويض الضحايا حرصنا على أن تعمل بكامل العدل والإنصاف والسعي للاستجابة لكل المطالب والطلبات المشروعة والانفتاح على مختلف الحساسيات. كما أصدرنا تعليماتنا السامية بأن تبذل أشكال التأهيل الطبي والإنساني وإعادة الاعتبار والإدماج الاجتماعي لذوي الحقوق، علما من جلالتنا بما للتعويض المعنوي والإنساني من أهمية خاصة في الطي النهائي لهذا الملف، غايتنا المثلى تضميد الجراح وفتح صفحة جديدة تكرس فيها كل الطاقات لبناء مستقبل مغرب ديمقراطي وعصري وقوي لمواجهة المشاكل الحقيقية والملموسة لأجياله الصاعدة (…) وسيرا على اعتماد الدمقرطة والعقلنة في مسلسل التحديث الشامل لمؤسساتنا، فقد قررنا إعادة النظر في الظهير الشريف المنظم للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. كما أننا قد أصدرنا توجيهاتنا السامية بخصوص ما ننتظره من هذا المجلس من مهام جليلة متجددة في العقد الأول للقرن الحادي والعشرين مثلما نهض بوظائفه كاملة خلال العقد الذي نودعه. وسنسهر لهذه الغاية على تجديد تركيبته وكذا اختصاصاته وطريقة عمله، خاصة وأن المؤسسات الدولية المختصة بحقوق الإنسان تتطلع لجعل تجربته نموذجا متميزا في هذا المجال”.
ولتجسيد ملامح هذه السياسة، تم استقطاب مجموعة من المعتقلين السياسيين السابقين، كصلاح الوديع، وأحمد حرزني، وإدريس بنزكري، الذين أشرفوا على تنظيم جلسات لضحايا حقوق الإنسان في مختلف المدن والمناطق التي تعرض سكانها وأبناؤها لهذه الانتهاكات. كما تم تعيين السيد إدريس بنزكري، أحد القياديين السابقين في منظمة إلى الإمام، على رأس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ليخلفه بعد وفاته السيد أحمد حرزني الذي كان قد أثار الانتباه، خلال إحدى جلسات الاستماع لبعض ضحايا حقوق الإنسان، بأنه لا يعتبر نفسه ضحية من ضحايا نظام الحسن الثاني، بل كان أحد معارضيه.

كما اتخذت عدة مبادرات لإعادة الاعتبار لبعض المناطق التي عانت من التهميش بسبب مواقفها من نظام الحسن الثاني، كفتح مجموعة من الأوراش الاقتصادية والاجتماعية بالمناطق الشمالية للبلاد، والقيام بزيارات ملكية لبعض المناطق في الأطلس المتوسط، بالإضافة إلى الكشف عن مجموعة من المقابر الجماعية، سواء في الناظور أو الدار البيضاء وغيرها.

وفي هذا السياق أيضا، عيّن الملك محمد السادس هيئة الإنصاف والمصالحة التي ترأسها أحد المعارضين السابقين، المرحوم إدريس بنزكري؛ حيث كلفت بكشف ماضي انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب من 1956 إلى 1999، ورد الاعتبار للضحايا وجبر الَأضرار وصيانة الذاكرة الوطنية وتحقيق المصالحة المجتمعية الشاملة. وقد رفعت هذه اللجنة تقريرها الختامي للملك في 30 نونبر 2005 تضمن مجموعة من التوصيات تتعلق بالإصلاحات المؤسساتية وبإستراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب.

إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية
الحكامة الأمنية معيار مهم في صنع التحول الديمقراطي
لا يمكن تصور وجود تحول ديمقراطي في أي مجتمع، دون أن تطال البنيات الأمنية لهذا المجتمع، تغييرات جوهرية، لضبط تعامل الأجهزة الأمنية مع المواطنين بحسب ما تقتضيه القوانين وما تفرضه المواثيق الدولية التي تنظم مجال الاحتكاك بين قوات الأمن والمواطنين.
غياب الحكامة الأمنية في المغرب عرض الدولة لعدة انتقادات من طرف المنظمات الدولية والوطنية العاملة في مجال حقوق الإنسان. كما أنها ” الحكامة الأمنية” شكلت أهم توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، التي اعتبرت بأن إقرارها يتطلب تأهيل وتوضيح ونشر الإطار القانوني، والنصوص التنظيمية المتعلقة بصلاحيات وتنظيم مسلسل اتخاذ القرار الأمني، وطرق التدخل أثناء العمليات، وأنظمة المراقبة، وتقييم عمل الأجهزة الاستخباراتية والسلطات الإدارية المكلفة بحفظ النظام أو تلك التي لها سلطة استعمال القوة العمومية.
و رغم التعثرات التي عرفتها مسيرة إصلاح القطاع الأمني بالمغرب، على إثر الأحداث الإرهابية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء في16 ماي 2003، وما ترتب عن ذلك من ملاحقات شابتها العديد من الخروقات، فقد عمل نظام الحكم على مواصلة إصلاح أجهزته الأمنية والاستخباراتية من خلال استبدال مسؤولين عسكريين بمسؤولين مدنيين؛ حيث تم، في هذا الإطار، تعيين ياسين المنصوري على رأس مديرية المستندات والوثائق، بعدما كانت طيلة العقود السابقة حكرا على العسكريين، كان آخرهم الجنرال عبد الحق القادري الذي ترأس هذا الجهاز لأكثر من 17 سنة. كما عمل نظام الحكم أيضا على استبدال المدراء العامين للأمن الذين كانوا ينتمون إلى فترة تحكم وزير الداخلية السابق إدريس البصري في وزارة الداخلية وما تميزت به هذه الفترة من انتهاكات جسيمة وخروقات أمنية. وهكذا تم تعيين مجموعة من الشخصيات المدنية، بداية بأحمد الميداوى، وانتهاء بالضريس الذي خلف الجنرال حميد العنيكري الذي لم يعمر طويلا على رأس هذا الجهاز، ليتم بعد ذلك تعيين بوشعيب الرميلي بتزامن مع تعيين حكومة عبد الإله بنكيران.

منح صفة ضابط الشرطة القضائية لضباط مديرية مراقبة التراب الوطني.
استطاعت حركة 200 فبراير أن تثير الرأي العام الوطني والدولي بشأن عمل مديرية مراقبة التراب الوطني (المخابرات المغربية) بتنظيمها مسيرة شعبية نهاية مايو 2012 إلى البناية التي تعمل فيها بمنطقة تمارة قرب الرباط، وقررت الاعتصام أمامها على أساس أنها معتقل سري يعذب فيه المعتقلون، إلا أن قوات الأمن المغربية فرقت هذه المسيرة بالقوة.

وتجدر الإشارة إلى أنه قد أثيرت في المغرب ضجة بشأن قيام عناصر من الأجهزة الأمنية المغربية باستجواب متهمين بتكليف من المخابرات الأمريكية، مثل ما جاء في تقرير “ديك مارتي”، وهو سيناتور سويسري تكلف بمهمة القيام بالبحث عن المعتقلات السرية التي استعملها المحققون الأمريكيون خارج تراب الولايات المتحدة . وعلى إثر ضغط الشارع، فتحت السلطات المغربية أبواب هذا المكان في وجه الوكيل العام للملك (النائب العام) بالرباط ورؤساء الكتل البرلمانية، وقد نفى الجميع وقتها وجود أي معتقل سري بضواحي مدينة الرباط.

وبالموازاة مع ذلك، قدمت الحكومة مشروع قانون يمنح لضباط ومدير المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني صفة ضباط الشرطة القضائية؛ حيث تنص المادة 20 من هذا المشروع على أن صفة ضابط الشرطة القضائية يحملها، بالإضافة إلى المدير العام للأمن الوطني (الشرطة) وضباط الدرك الملكي (جهاز أمني يعمل خصوصا في البوادي والمناطق القروية) وغيرهم، “المدير العام لإدارة مراقبة التراب الوطني وولاة الأمن والمراقبون العامون للشرطة وعمداء الشرطة وضباطها بهذه الإدارة”. وقد تمت المصادقة على هذا المشروع الذي يأتي في إطار تغيير وتتميم بعض الفصول المتعلقة بقانون المسطرة الجنائية المغربية، الشيء جعل هذا الجهاز السري يكتسب شرعية قانونية.

التكريس الدستوري للمؤسسة الأمنية

بعد الحراك السياسي الذي عرفه المغرب منذ فبراير 2011 في إطار الحراك الذي عرفته المنطقة العربية، تمت المصادقة على دستور فاتح يوليوز 2011 الذي أقر مجموعة من الحقوق الفردية الأساسية، كالحق في الحياة، مجرما أي مس بسلامة الشخص الجسدية أو المعنوية، ومحرما أي شكل من أشكال التعذيب، الشيء الذي انعكس من خلال الفصول 20- 21- 22 و23. بالإضافة إلى ذلك تمت، لأول مرة في تاريخ المغرب، دسترة المؤسسة الأمنية من خلال إحداث مجلس أعلى للأمن، بصفته هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر أيضا على مؤسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة. يرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد.

يضم المجلس الأعلى للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الوزراء المكلفين بالداخلية، والشؤون الخارجية والعدل، وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباطا سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس. ويحدد نظام داخلي للمجلس قواعد تنظيمه وتسييره.

لكن على الرغم من كل هذه الإجراءات، فما زالت المؤسسة الأمنية تحتاج إلى مواصلة إصلاحها من خلال العمل على الموازنة بين ضمان حماية النظام كما كرسه الملك الراحل الحسن الثاني، وضمان الأمن اليومي للمواطن دافع الضرائب الذي ما زال لم يدخل بعد ضمن الإستراتيجية الأمنية للدولة. ولعل مواصلة هذا الإصلاح تتطلب العمل على اتخاذ مجموعة من الإجراءات تتمثل بالأساس في:

– الزيادة في عدد رجال الأمن لتدارك الخصاص المهول بهذا الشأن مقارنة بدول تتوفر على تركيبة سكنية مشابهة للمغرب، مع تمكين رجال الأمن، خاصة أولئك الذين يشتغلون في الأحياء الشعبية، من مختلف الموارد المالية واللوجستكية، من هاتف ووسائل التنقل وكاميرات للمراقبة، وضمان تغطية صحية ملائمة.

– انفتاح المؤسسة الأمنية بشكل أكبر على مكونات المجتمع المدني، من خلال المشاركة في الندوات أو برامج تلفزية أو إذاعية أو صحافية، والتنسيق مع فعاليات المجتمع المدني في تنظيم حملات للتوعية أو في إطار الحملات التطهيرية، والإنصات لمطالبها في ما يتعلق بمحاربة الجريمة أو الانحراف في أوساط وفئات الشباب أو اليافعين أو حتى الأطفال.

– إنشاء جامعات عليا لتخريج أطر عليا وأكاديميين في المجال الأمني.

– إخضاع المؤسسات الأمنية للرقابة البرلمانية، من خلال مناقشة ميزانياتها الفرعية، واستجواب مسؤوليها.

– السماح لرجال الأمن بتنظيم أنفسهم في جمعيات ووداديات على غرار جمعيات ووداديات القضاة وغيرهم.

– الإسراع بتفعيل المجلس الأعلى للأمن وضمان الشروط الفعلية لخروجه إلى حيز الوجود.

– العمل بالتدريج على وضع الأجهزة الأمنية (شرطة ضبطية، وقضائية، وإدارية…) تحت إمرة رئيس الحكومة، في حين تبقى المؤسسة العسكرية تحت إمرة الملك بوصفه القائد الأعلى للجيش

 

مشاركة