الرئيسية آراء وأقلام الجزائر والكرة الجزائريةو”المارستان الدولي”!!

الجزائر والكرة الجزائريةو”المارستان الدولي”!!

IMG 20240124 WA0066.jpg
كتبه كتب في 24 يناير، 2024 - 8:19 مساءً


محمد عزيز الوكيلي

لا يجادل اثنان في أن الجزائر تتوفر على فريق لكرة القدم في مستوى عالمي، وعلى لاعبين يُقام لهم ويُقعَد، حتى الممارسون منهم داخل البطولة الجزائرية، وحتى الشائخون منهم..، ويتوفرون على مدرب من المستوى الراقي… فأين المعضلة إذَنْ؟!

المعضلة، يا عالَم، كامنة، كُمون القلب داخل قفص الصدر، في نظام متشكّل من المتردية والموقودة والنطيحة وما أكل السبُع… نظام يتدخل مثل “فقهاء السلفية” في كل صغيرة وكبيرة داخل الفريق وخارجه على السواء، ويتدخل حتى في الطريقة التي يتنفس بها الفريق وجمهوره، فيُملي على الجميع كيف يتحركون وكيف يتنفسون وكيف يتكلمون، وإذا تكلموا ماذا يقولون داخل الفريق وخارجه، تماماً كما يفعل السلفية بحركاتنا وسكناتنا، داخل بيوتنا وخارجها… ليس لأنه نظام شموليّ يتحكم في رقاب الجزائريين “الغَلابَى”، ولكن بالأساس لأن هؤلاء الجزائريين تخلّوا بصورة كلّيّة عن شموخهم وعزة نفوسهم ورجولتهم، وعن كبريائهم الذي وجّهوه بالتخصيص صوب قضية أحادية ينامون ويصحون عليها، وهي التمسّح بصنم البوليساريو، وحماية ميليشياته من كل سوء، والخوف عليه من نسمات الجنوب والشرق والغرب، أما نسمة الشمال فتفرّ منهم خشية أن تتحول تحت سمائهم وفي ظلّ سلوكاتهم المريضة إلى لفحات جهنمية لا أول لها ولا آخر!!!

معذرة عن هذه القفشات الأدبية، فالموقف يغري بابتكار كلمات ومعانٍ تليق بالمقام الذي وضع فيه ذلك النظام المريض بلاده ومواطنيه، وما زال يفعل بكل أريحية!!!

في مدار 24 ساعة على 24، يستيقظ الجزائريون وينامون، ثم يستيقظون وينامون من جديد، على تحاليل وتعاليق تواظب عليها فرق إعلامية (يا حسرة على الإعلام وأهله) لا تعلم شيئا عن العمل الإعلامي، تردد ليل نهار ما حشره ورسّخه شيوخ وعجزة المراديا في أدمغة أفرادها، الخاوية إلا من الشحم، بأن “الجزائر قوة ضاربة”، قوة، كما قال رئيسها ذات حلم يقظة، “يخر الجبابرة لمجرد سماع اسمها ساجدينَ”، لكنها مستهدفة من لدن اعداء كلاسيكيين، هم المغاربة بكل التأكيد الممكن والمتاح، وكذلك فريقهم الكروي، الذي وجدوا في الوزير فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، وفي كل معاني الكولسة وشراء الذمم والإرشاء والارتشاء، شماعة يعلقون عليها فشلهم المتكرر إلى درجة الإدمان، دون أن يرف لهم جفن، ودون أن يجرؤ أحدهم، ذات مرة، حتى داخل ذلك النظام الشموليّ التحكُّميّ، على طرح السؤال البديهي: “وماذا غير المغرب ومسؤوليه”؟ ماذا ينقص الجزائر غير ذلك المبرر المتكرر إلى أقصى درجات الضجر والملل؟!!

الجواب على هذا السؤال، الذي لم يستطع احد طرحه، هو بكل بداهة: “كل شيء”، نعم الجزائر ينقصها كلُّ شيء، وينقصها حتى اللاشيء!!!

بنيات اساسية رياضية منعدمة يصفونها بأحسن بنيات في المنطقة وفي القارة، ويَسِمُونها بالعالمية، والواقع يقول إنها لا تساوي جناح بعوضة في سلم البنيات الرياضية المغربية، فما بالنا بالمتوسطية والعالمية!!

بنيات طرقية وفندقية وصحية، اقتصادية واجتماعية شبه منعدمة، والمتوفِّرُ منها يوجد في حالة تُبكي العدو قبل الصديق!!

الجيل الراهن من الجزائريين غسل النظام أدمغته منذ طفولته الصغرى فتربى كما اراد له النظام على التكبّر والاستعلاء الفارغَيْن، وعلى كراهية المغرب والمغاربة أكثر من كراهيته لأي شيءٍ آخر!!

القدرة الدنيا على القبول بالآخر، وبالأحرى الإحسان إليه، مختفية من قاموس الأخلاق الجزائري، حتى بتنا نرى شبابهم وهو يمطر حافلات السياح بالحجارة، والقناني، وبأي زبالة أخرى، دون ادنى سبب أو مبرر، ودون حتى أن يعلم المعتدون شيئا عن جنسية السياح الضحايا أو وجهتهم، والذين قد يكونوا مجرد عابري سبيل في اتجاه احد الأوطان المجاورة!! وبالرغم من ذلك، يتباكون على عدم اختيارهم من لدن الافارقة لاحتضان نهائيات كأس أمم إفريقيا برسم دورتَيْ 2025 و2027، وكذلك الشأن بالنسبة لكأس العالم برسم دورة 2030، التي وقع الاختيار العالمي على تنظيمها تَشارُكاً بين المغرب وإسبانيا والبرتغال، فزاد ذلك في إحساسهم المرَضي بالمَظْلَمة والإقصاء، دون أن ينتبه منهم ذو عقل إلى أنهم كدولة، بكل مقوماتها ومكوناتها، مصابة بوسواس قهري قائم على إحساس دفين بالتعرض للمؤامرة والظلم والمهانة من لدن الجميع بلا استثناء، وعلى رأس هذا الجميع يأتي المغرب، الذي يصفونه بالعدو الكلاسيكي، حتى لا يقولون “الأزلي”، لأنّ هذا الوصف الأخير غير ممكن لأنهم لم يحصلوا على شهادة ميلاد دولتهم الموقع عليها من لدن عمهم شارل ديغول إلا في سنة 1962… ويزيدون على ذلك بادعاء وجود الأصبع المغربي وراء كل ما يرونه متحرّكا تجاههم من مؤامرات قد لا تدور في الواقع لتفاهتها وخُرافيتها ببال أحد من العالمين!!!

خسروا في النسخة الماضية من نهائيات كأس أمم إفريقيا وخرجوا من دورها الأول، ولكنهم خرجوا مرفوعي الرؤوس لأنهم كانوا مقتنعين إلى درجة اليقين بأنهم كانوا ضحايا كولسة لا يعدم المغرب أن تكون له يَدٌ فيها ولو من بعيد!!

وخرجوا من إقصائيات كأس العالم التي أبدعت قطر في استضافتها تنظيماً وإدارةً وتأثيثاً فكانت، بحق، أفضل وأجمل نسخة عرفتها البشرية حتى ذلك التاريخ، فصعّبت قطر بذلك مأمورية من سينظّمها مستقبلا في مشارق الأرض ومغاربها… وقال بعض محلليهم إن ما حققه المغاربة من شموخ في تلك الدورة بالذات، إنما هو دليل على أن الجزائر لو كانت بديلا للمغرب لأمكنها ان تفوز بالكأس العالمية… والمصيبة أن هؤلاء لا يرف لهم جفن وهم يتقيأون أمثال هذه الهرطقات عبر وسائل إعلامهم الرسمية، أما عبر وسائلهم الخصوصية ووسائل التواصل الاجتماعي فحدث ولا حرج!!!

وبالرغم من كل تلك الإخفاقات، فإنهم لم يغيّروا اللاعبين، ولم يغيروا المدرب، بل ظلوا يكيلون لهم كل أنواع المديح جاعلين منهم ذواتٍ غايةً في الامتلاء والانتفاخ!! وحتى وهم يعجزون عن تحقيق الانتصار في مبارتَيْهم الأولييْن في الدورة المُقامة حاليا، ظلوا على نفس النهج يصمّون الآذان، بقولهم المؤبّد إنهم سيحصدون الكأس، وإنهم كانوا فقط ضحايا كولسة مغربية يقودها لقجع، وأن هذا الأخير يوزع المال العام المغربي يمينا ويسارا ليشتري الحكام، الذين هو نفسُه مَن يعيّنُهم لإدارة مقابلات الفريق الجزائري بالذات!!!

واخيراً، حل موعد مباراتهم ضد الفريق الموريتاني، فنشروا قبله بليلة او ليلتين تصريحات وتحاليل يتندرون فيها على الإخوة الموريتانيبن، الذين اعتبروهم في الجيب، حتى قال أحد محلليهم بعظمة لسانه على المباشر، بلا حياءٍ أو حِشمة: “إذا لم نربح مباراتنا مع موريتانيا فسنُنزل الستار وننسحب نهائيا من لعبة اسمها كرة القدم”!!!

ودخلوا بالأمس مساءً ملعب الكرة لمواجهة فريقٍ موريتانيٍّ نعتوه بالهاوي والمبتدئ، ثم خرجوا منه وهم يرتدون رغم أنوفهم أردية الابتداء والهواية، بعد أن لقنهم اللاعبون الموريتانيون، المرابطون، أجمل الدروس في جمال اللعب وبساطته الممتنعة، وفي قتالية قل نظيرها في مجموع مباريات الدور الأول من هذه الدورة، إذا استثنينا قتالية اللاعبين المغاربة ضد الفريق الكونغولي تحت درجة حرارة جهنمية ورطوبة فاقت 75%!!!

ولكنهم بالرغم من خسارتهم الفادحة والمدوّية هذه للمباراة، وإهانتهم هم أنفسُهم لكرامتهم المزيفة، ولكبريائكم الذي اتضح الآن أكثر من أي وقت مضى أنه كاذبٌ ولا أساس له في أرض الواقع، بالرغم من كل ذلك، ما زالوا يقولون إن إخفاقهم إنما كان بسبب حكام اشترى المغرب ذممهم، ودفع لقجع رشاويهم من أموال الشعب المغربي كما يقولون، دون أن يلتفت منهم أحد في الليلة ذاتها إلى أن الخسارة والخذلان كانا ينتظران أن يقعا على رؤوسهم كالفؤوس القاطعة قبل سفرهم إلى الكوت ديفوار، بل قبل سنين خلت ظلوا يتغنون فيها بإحرازهم كأس دورة 2019، فأعماهم ذلك عن رؤية سَوْءاتهم وهي تتعرّى أمام كل عشاق الكرة في العالم!!!

والآن، وماذا بعد؟
من الأكيد أنهم سيتحوّلون بين عشية وضحاها، وبعد أن يستفيقوا من هول الصدمة، إلى حلاقين مبتدئين، وسيتعملون الحلاقة في رأس المدرب المسكين جمال بلماضي، الذي لم يكن هو الآخر إلا ضحية النظام ذاته، الذي نفخ فيه ورسخ في ذهنه أنه هو الآخر أفضل مدرب في إفريقيا، ومن أعظم المدربين على الصعيد العالمي، وداوَموا على ذلك الإيحاء طوال السنوات الخمس الماضية رغم كل الإخفاقات التي راكمها المدرب بلماضي والتي سلف ذكرها أعلاه، حتى نسي، هو بدوره، أن يبحث عن بدائل للاعبين شاخوا في ظل الإخفاقات ذاتها، وعن بديل لطريقة اللعب المتقادمة التي يظل ينتهجها والمتجاوَزة، وبذلك امتطت “كوكبة النصر” الجزائرية طائرتها باتجاه الكوت ديفوار لا لشيء سوى لأخذ الكأس الأممية والعودة بها إلى الجزائر بلا ادنى جهد منتظَر… وسافروا وهم محفوفين بزغاريد نسوتهم، وأدعية شيوخهم، دون أن ينسوا أخذ بعض الرُّقاة المشعوذين معهم تحسباً من تأثيرات السحر الإفريقي، وبصورة أخص، السحر المغربي/الإسرائيلي الذي يقولون إنه يهد الجبال!!!

خلاصته، رغم هذه الإطالة، أن المعضلة تكمن في نظام مريض بكل الآفات العقلية والنفسية، بجنون العظمة، وبالبارانويا، التي تجعله أوفى شَبَهاً بالوصف القرآني للمنافقين، الذين “يحسبون كل صيحة عليهم”، مما يجعلني بكل تواضع أدعو المنتظم الدولي إلى التفكير في إنشاء “مارستان دولي” للأمراض العقلية التي تصيب الأنظمة والدول بكل مكوّناتها وهياكلها، ولا أظن، إذا تحقق هذا المبتغى العجيب، ان يكون النظام الجزائري أول نزيل يدخل ذلك المارستان، ولا أستبعد أن يكون أيضاً آخِرَ نزيلٍ بتحصيل الحاصل وبمنطق الأشياء، لأنه النظام الوحيد الذي تنطبق عليه أعراض المرض العقلي والنفسي الجماعي، ويستوفي بالتالي شروط “العَتَه الجَمْعي”، على وزن “العقل الجمعي”… ولله في خلقه شؤونٌ وحِكَم!!!


مشاركة