بقلم: عبد السلام اسريفي
منذ استقلالها، جعلت الجزائر من فلسطين جزءاً من عقيدتها السياسية والدبلوماسية، حتى صار شعار “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة” ماركة مسجلة في خطاب الدولة الرسمي. هذا الموقف أعطاها على مدى عقود احتراماً في الشارع العربي والإسلامي، وشرعية إضافية أمام شعبها الذي يرى في فلسطين امتداداً لنضاله التحرري.
لكن اليوم، تجد الجزائر نفسها في وضع بالغ التعقيد أمام موقف إيطاليا. فتصريحات رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني من نيويورك، التي ربطت الاعتراف بالدولة الفلسطينية بشروط مسبقة كإطلاق الرهائن واستبعاد حركة “حماس”، وضعت الجزائر أمام معضلة: هل تتمسك بشعارها التاريخي وتذهب إلى خطوات دبلوماسية جريئة كسحب السفير، أم تراعي حسابات البراغماتية التي تربطها بشريك اقتصادي واستراتيجي من الصف الأول؟
الحقيقة أن العلاقة الجزائرية–الإيطالية لم تعد علاقة عادية، بل باتت رهينة المصالح الكبرى، خاصة في مجال الطاقة والأمن. أوروبا، بعد أزمة أوكرانيا، وجدت في الجزائر بديلاً حيوياً للغاز الروسي، وكانت إيطاليا بوابة هذه الشراكة. أي تصعيد جزائري قد يضرب هذه المكاسب في مقتل، وهو أمر لا تستطيع الحكومة تحمله في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية داخلية متراكمة.
من جهة أخرى، الرأي العام الجزائري والعربي يتابع الموقف بدقة. فإذا اكتفت الجزائر بالصمت أو ببيانات دبلوماسية باهتة، قد تتعرض لانتقادات داخلية تتهمها بازدواجية الخطاب: “صوت عالٍ في فلسطين، وحذر شديد في مواجهة الغرب”.
الراجح أن الجزائر ستسلك سياسة الموازنة ولن تتجرأ على قطع العلاقات مع ايطاليا : خطاب حماسي داعم لفلسطين على المنابر الدولية، مع خطوات رمزية تجاه إيطاليا لا تصل حد القطيعة (كاستدعاء السفير للتشاور أو التصعيد الإعلامي أو حتى الصمت وعدم الظهور حتى تهدأ الأمور..). بهذا تحافظ على صورتها كمدافع عن فلسطين، دون أن تغامر بمصالحها الاستراتيجية مع أوروبا.
إنها معادلة صعبة، لكنها تعكس حقيقة السياسة في عالم اليوم: بين الشعارات التي تمنح الشرعية، والمصالح التي تضمن البقاء، وهي سياسة تتبناها الجزائر بشكل كبير مع القوى العظمى، مع استعراض عضلاتها على القوى الاقليمية وصلت حد قطع العلاقات مع المغرب ، وتركيع النظام التونسي، خاصة بعد تراجع اقتصاده وضعف موقفه السياسي.

