من دون شك اننا نعلم ان الثقافة تشمل المعرفة، والمعتقدات ، والقيم ، والعادات والتقاليد. وبما ان الانسان بصفته عضوا في المجتمع قد يكتسبها متاثرا بنمط عيشه وكيفية تفاعلها مع من حوله.
لقد نرى بعض المحللين وهو ماريو بارغس يوسا في كتابه” حضارة الفرجة”ان انحصار الثقافة بمفهومها التقليدي وانتشار ثقافة وسائل الاتصال الاجتماعي التي تركز على سيطرة ثقافة الصوت والصورة بدل الكلمة وان الثقافة خرجت من ايدي الصفوة التي تنعم بالمعرفة والديمقراطية سبب ثورة الاتصالات وادى ذلك إلى تدني السلوكيات والفكر والقيم الحقيقية.
ان هذه الوسائل اصبحت تشكل الرأي العام وتاثر على العقول شكلا ومضمونا وسلبا وايجابا، وتهمش دور المثقف و المفكر فتقوم بصناعة الرموز الرخيصة مما يؤدي الى تحول المثقف من مواطن يفكر في الارتقاء بمجتمعه الى مجرد مهرج ومستهلك ومتفرج.
فهناك من يرى ان المجتمعات في عالمنا الحاضر قد تحولت إلى مجتمعات الفرجة تعيش بحسب صورته لدى الآخرين لا وفق ما يكون عليه فعليا ، وان هناك من من يصنع تلك الصور المصدرة عنه، وقد جاء هذا واضحا وجليا في كتاب الفرنسي جي ديور “مجتمع الاستعراض ومجتمع الفرجة”.
ان عالمنا ما هو الا علاقة إجتماعية بين اشخاص تتوسط فيها الصورة ،بمعنى ان ما نقرا او نرى او نسمع لا ينطبق بتاتا على واقع الكتاب لأننا اصبحنا وبدون شك نعيش في عالم أقنعة بكل تفاصيلها وتجلياتها ، فتصبح الثقافة عبارة عن وهم وسلعة على شكل خوردة تسوق ولا نبحث على الثقافة الفكرية بقدر البحث عن الربح السريع بعيدا عن القيم الإنسانية النبيلة البناءة.، فتسود ثقافة الوهم على الحقيقة، فيصبح المشاهير في وسائل الاتصال كثرة تروج لمحتوى التفاهة على حساب الفكر التي تبني على مبدأ العلم والجد في معالجة الواقع في جميع الميادين.
اننا نلاحظ عن كتب ان المشاهير الذين اصبح لهم متابعين بالملايين اصبحوا يحققون دخلا كبيرا فتقصدهم الشركات لترويج منتجاتها وجنيهم الأموال الطائلة ويكسبون الشهرة وينشرون التفاهة ، فيروجون للثروة والنقاشات التافهة والاغاني المبتذلة والجنس الرخيص و الاستعراضات الجسدية . ومن هنا يجب ان نفهم بان النقص في القيمة والاصالة والأهمية وتغييب الفكر الجاد وصياغة الحقائق ما هو الا تفاهة.
لقد اصبح للتافهين حق الكلام وقيمة مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل ،فتطلع صورتهم وتصبح التفاهة يبنون عليها مستقبلهم غير مبالين لما لها من عواقب على المجتمعات مستقبلا.
ان نتيجة انتشار التفاهة في عالمنا الحاضر هو مجرد تجارة عالمية ، تغرق الانسان في اوحال التفاهة من خلال الترويج لبرامج وسلع متنوعة ومختلفة مما ينتج عنه ابعاد نفسية وفكرية واجتماعية، وخير دليل على ذلك هو اليوتيوب الذي تقيم فيه البرامج بملايين المشاهدات بغض النظر عن قيمة المحتوى الفكري والعلمي، وهنا تبدو مجانية التفاهة بضاعة في شخص الانسان وليس ما يقدمه، والتفاهة التي زعزعت ثوابت المجتمعات وقيمتها واختلافها لتسييسها من طرف العالم الذي ينفق مئات الملايين لانتاج برامج التفاهة والهروب من الواقع ويصبح التسفل سيدا على الترفع.
للاسف الشديد ان التافهين قد توغلوا وتغلغلوا في جميع قطاعات المجتمع اقتصاديا و سياسيا وإعلامية وتعليميا وتجاريا ،يقودون سفينة المجتمع كما يشاؤون ويحلو لهم ، فيعتقدون انهم الافضل غير مدركين عدم نضجهم وقلة فهم لدور الحياة التي يجب ان تنبني على العقل المدبر بالفكر والعلم وليس التفاهة.
محمد الموستني
التفاهة بين الحقيقة والواقع

كتبه Aziz Benhrimida كتب في 4 فبراير، 2024 - 4:30 مساءً
مقالات ذات صلة
12 مارس، 2025
بوعيدة يكتب: نقاش قانوني مع السيد وزير العدل
صوت العدالة /بقلم د.عبد الرحيم بوعيدةأستاذ جامعي أتساءل في كل مرة لماذا في كل نقاش قانوني نراوغ الدين الإسلامي أو [...]
11 مارس، 2025
مغرب الحضارةالضرورة التاريخية: شركات عمومية للأمن الغذائي
بقلم…عزيز رباح هناك إجماع على أن الأمن الغذائي يمثل أولوية من أولويات الوطن وتم إقراره كهدف من أهداف المخطط الأخضر [...]
9 مارس، 2025
العبقرية المحمدية في إلغاء ذبح الأضحيةالدكتور : حمدات لحسن
بقلم….الدكتور : حمدات لحسن العبقرية المحمدية تتزايد يوما بعد يوم في سن توجهات كبرى تقود البالد إلى التنمية المستدامة والرخاء [...]
9 مارس، 2025
الدكتور أحمد طوالة يكتب: تخليق الحياة السياسية بالمغرب ضرورة حتمية لإعادة الاعتبار للعمل الحزبي
تشكل عملية تخليق الحياة السياسية حصنا واقيا لحياة الأفراد والشعوب والأمم، و هي ركيزة أساسية للبناء الديمقراطي ولضمان النزاهة والشفافية، وهكذا فان التخليق [...]