يعتبر البحث العلمي عند الدول المتقدمة مجال استراتيجي، تخصص له ميزانيات كبيرة، ويتوفر على بنيات تحتية هائلة، و موارد بشرية مؤهلة على رأسها نخب ذات كفاءة عالية، ووراء كل ذلك منظومات تعليم ناجحة، ولها سمعة عالمية
أكيد أن الوعي بهذه الأهمية بالنسبة لبلدنا بدأ يتشكل على الأقل في السنين الأخيرة لدى كل القوى الحية، لكن الحاجة الملحة التي فرضتها “الجائحة” حولت هذا الاهتمام إلى صرخة و طنية صادقة، للنهوض بهذا المجال بدءا بالتعليم. لأنه في اعتقادنا لا مجال للحديث عن البحث العلمي في معزل عن التفكير الجدي في منظومة التعليم، كقاعدة أساسية لتطوير اقتصاد ومجتمع المعرفة.
لكن للأسف لازالت منظومة التعليم ببلادنا فاقدة للبوصلة ولم تخرج بعد من دائرة التشخيصات و الاستراتيجيات والمخططات والبرامج، الشيء الذي أضاع على بلدنا العديد من الفرص، و بدد ميزانيات ضخمة، تبخرت هكذا بدون حسيب ولا رقيب، في غياب تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، لوقف نزيف هدر المال العام على مخططات وبرامج لا طائل ورائها.
كذلك، هزالة الميزانية المعتمدة للبحث العلمي حقيقة لا يمكن تجاهلها. ف0,8 من الناتج الداخلي الخام تعتبر نسبة ضعيفة جدا حسب المعايير الدولية المعتمدة، ولن تنتج مجتمع المعرفة.
هناك أيضا نزيف هجرة الأدمغة، و الأرقام معلومة لدى الجميع.
هناك أيضا التدبير الإداري والمالي البيرقراطي، و الذي لا يتلائم مع طبيعة وخصوصية أنشطة البحث العلمي، و التي تتطلب يقظة و تفاعلا متواصلا، وتنافسية قوية.
هذه بعض الأسباب المباشرة الظاهرة لضعفنا في البحث العلمي، ويبقى السبب الجوهري المغيب سبب سياسي. فلا يجب أن تنسينا حماسة التعبئة الوطنية الظرفية، وبعض نجاحات اللحظة في تدبير الجائحة أن لدينا عجزا كبيرا وأعطابا مزمنة ليس فقط في قطاع التعليم و البحث العلمي، بل في كل القطاعات الحيوية. كل ذلك لأننا لم نأت الإصلاح من بابه الرئيسي، ألا وهو باب الإصلاح السياسي، المدخل الأساسي لأي إصلاح، لأجل ذلك راكمنا الإخفاقات وفشل نموذجنا التنموي في تحقيق الرفاه للمواطن المغربي، محور وهدف كل تنمية.