في مدينة بلا مصانع، ولا شركات، ولا فرص عمل حقيقية، لا حديث إلا عن “البديل” الذي لا يأتي، عن الحلول التي لا تتجسد، وعن وعود تتطاير في الهواء، بينما تعاني الأرض ومن عليها!
أين مصير الباعة الجائلين الذين لا يملكون محلات ولا رأسمال ولا بدائل؟ ماذا عن الخبازات البسيطات اللواتي يكسبن خبزهن اليومي من فرن الطين؟ ماذا عن المطلقات بالأبناء، عن المتزوجين ومعهم أطفال، عن من باعوا الأرض بعدما ضربهم الجفاف، ودخلوا المدينة على أمل عيش كريم، فإذا بهم اليوم مطاردون من الشارع ومن الزمن ومن السياسة؟
هؤلاء ليسوا غرباء. هم منّا وفينا. سنين وهم مصطفّون في الشوارع، يبيعون الخبز والخضار واللباس، يصنعون من عرقهم قوتًا نظيفًا دون مدّ اليد لأحد. لكن حين أتت “الحملة”، لم تُمنَح لهم بدائل، لم يُستمع إلى أنينهم، لم يُنظر إلى أطفالهم. فقط قرار: “ارحلوا”.
إلى أين؟ لا أحد يجيب.
من المسؤول؟ لا أحد يعترف.
أين البديل؟ لا أحد يملك الجواب!
يتجهون إلى الله، إلى الرحمة، إلى الصبر المر، لكن المدينة التي أغلقت أبوابها في وجوههم لن تقدر أن تطفئ غضب الجوع، ولا دمعة طفل يسأل أباه: “فين غنمشيوا؟”
نعم، نريد تنظيم الفضاء العام، نعم، نريد شوارع نظيفة، لكن بدون سحق كرامة الإنسان! لا يمكن تنظيف الأرصفة بقلوب مكسورة، ولا يمكن طرد الفقر بالقوة، ولا يجوز أن ننسى أن لكل واحد من هؤلاء قصة، ودمعة، وأسرة تنتظر.