من إعداد: صفية لكطيطي /دكتورة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، رئيسة المركز الوطني للدراسات الاستراتيجية والتحول الرقمي
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 ديسمبر 2024 اتفاقية دولية جديدة تُعنى بمكافحة الجريمة السيبرانية، في إطار جهود دولية متزايدة لمواجهة التهديدات المتنامية في الفضاء السيبراني. ولقد خضعت هذه الاتفاقية لمفاوضات مطولة استمرت خمس سنوات.
وتُعد هذه الاتفاقية الأولى من نوعها منذ أكثر من عقدين، حيث تهدف إلى وضع إطار قانوني موحد يُسهل على الدول التعاون في مواجهة الجرائم السيبرانية العابرة للحدود، مثل الاحتيال عبر الإنترنت، الابتزاز الإلكتروني، الاستغلال الجنسي للأطفال، وقرصنة البيانات.
وقد أكد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وهو الجهة المشرفة على تنفيذ الاتفاقية، أن من أولوياته ضمان الاستخدام الآمن والعادل للاتفاقية دون المساس بحقوق الإنسان، بما في ذلك حماية الخصوصية وحرية التعبير.
أبرز بنود الاتفاقية:
لقد جاءت هذه الاتفاقية في تسعة فصول مفصلة، تحمل في طياتها بنودًا ملزمة للدول الموقعة أو ما يُعرف بـ”الدول الأطراف”، والتي تسعى إلى إرساء إطار قانوني دولي مشترك يهدف إلى مكافحة الجريمة السيبرانية بجميع أشكالها، سواء ما تعلق منها بالأنظمة المعلوماتية أو المحتوى غير المشروع أو الجرائم العابرة للحدود.
وتتضمن هذه الفصول مبادئ عامة، وتعريفًا دقيقًا للجرائم السيبرانية، وآليات للتعاون الدولي، وتسليم المجرمين، وتبادل المعلومات والأدلة الرقمية، إضافة إلى أحكام خاصة بحماية حقوق الإنسان، وتقديم الدعم الفني للدول ذات القدرات المحدودة. وذلك وفق الشكل الاتي:
-الفصل الاول: الأحكام العامة -الفصل الثاني: التجريم
-الفصل الثالث: الولاية القضائية
-الفصل الرابع: التدابير الاجرائية وإنفاد القانون
-الفصل الخامس: التعاون الدولي
-الفصل السادس: التدابير الوقاية
-الفصل سابع: المساعدة التقنية وبناء القدرات
-الفصل الثامن: اليات التنفيذ
-الفصل التاسع: الاحكام الختامية.
وعليه، وبعد الاطلاع على بنود هذه الفصول، يمكن إجمال أبرز مضامينها فيما يلي:
1) توسيع نطاق الجرائم السيبرانية: حيث تشمل الاتفاقية مجموعة واسعة من الجرائم المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات، مثل الوصول غير القانوني إلى الأنظمة الإلكترونية، التلاعب بالبيانات، الاحتيال الإلكتروني، وغسل الأموال عبر الإنترنت.
2) تعزيز التعاون الدولي: تنص الاتفاقية على إنشاء آليات للتعاون بين الدول في جمع الأدلة الإلكترونية، وتبادل المعلومات، وتقديم المساعدة القانونية المتبادلة، مما يسهل ملاحقة الجرائم عبر الحدود.
3) حماية حقوق الإنسان: تؤكد الاتفاقية على ضرورة احترام حقوق الإنسان أثناء تنفيذ تدابير مكافحة الجريمة السيبرانية، بما في ذلك حماية الخصوصية وحرية التعبير.
4) دعم القدرات الفنية: تخصص الاتفاقية موارد لتدريب وتطوير قدرات الدول النامية في مجال مكافحة الجريمة السيبرانية، من خلال توفير الدعم الفني والمساعدة التقنية.
حماية الضحايا: تُلزم الاتفاقية الدول الأطراف باتخاذ تدابير فعالة لضمان إنصاف ضحايا الجرائم السيبرانية، وذلك من خلال تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني، وتعزيز آليات التعويض وجبر الضرر. كما تدعو إلى تطوير إجراءات فعالة لإزالة المحتوى غير القانوني أو الضار من المنصات الرقمية، مع مراعاة احترام حقوق الأفراد وحرية التعبير.
والملاحظ ان بنود الاتفاقية الأممية الجديدة لم تقدم تغييرات جذرية أو مقتضيات قانونية جديدة بقدر ما سعت إلى تعزيز وتطوير الحماية القانونية في مواجهة التحديات السيبرانية العالمية. ورغم ذلك، تميزت الاتفاقية ببعض الأحكام التي لم ترد في اتفاقية بودابست، مثل توسيع نطاق الجرائم السيبرانية لتشمل مجالات جديدة كالاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت، والتهديدات الإرهابية السيبرانية، بالإضافة إلى تأكيدها على ضرورة احترام حقوق الإنسان وحماية الخصوصية خلال الملاحقات القضائية. كما تضمنت الاتفاقية آليات عملية لتوفير الدعم الفني والتشريعي للدول ذات الإمكانيات المحدودة لمساعدتها على التصدي للتهديدات السيبرانية.
خاتمة:
لا يسعنا في الأخير الا أن نؤكد أن الاتفاقية الأممية المتعلقة بمكافحة الجريمة السيبرانية، تُظهر وعياً واضحاً بتفاوت القدرات بين الدول، من خلال تأكيدها على أهمية الدعم الفني ونقل الخبرات، مما يُعد مؤشرًا على البعد التكاملي والإنساني في النص. كما أن اعتمادها لمصطلحات واسعة النطاق يفتح المجال لتفسير موسّع، وهو ما يطرح تساؤلات قانونية حول إمكانية تقييد بعض الحريات الرقمية، خاصة في الدول التي تفتقر إلى ضمانات قانونية قوية.
علاوة على أن التحدي الجوهري لا يكمن في اعتماد الاتفاقية فحسب، بل في مدى فاعلية تنفيذها والتزام الدول الأطراف بتطبيق مضامينها على أرض الواقع، بما يعزز الأمن السيبراني العالمي ويحد من الفوضى الرقمية التي تهدد استقرار المجتمعات ومستقبلها.
وعليه، فإذا ما قرر المغرب التوقيع على هذه الاتفاقية، فإنه من الضروري أن يُعيد النظر في مشروعي القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية قبل المصادقة عليهما، وأن يُسرّع في ملاءمتهما مع مقتضيات الاتفاقية. وذلك تفاديًا لتكرار ما حدث مع اتفاقية بودابست، التي لم تشمل المسطرة الجنائية إلى يومنا هذا التعديلات التشريعية الكافية لتطبيقها بشكل فعّال.
وللإشارة فإن المادة 64 من اتفاقية الامم المتحدة المتعلقة بمكافحة الجريمة السيبرانية نصت على أنه يفتح باب التوقيع على هذه الاتفاقية أمام جميع الدول في “هانوي” في عام 2025 وبعد ذلك في مقر الأمم المتحدة في نيويورك حتى ديسمبر 2026. كما يستشف من الفقرة الاولئ من المادة 65 من ذات الاتفاقية على أنه تدخل حيز التنفيذ بعد 90 يومًا من تصديق 40 دولة عضوًا عليها.