الرئيسية آراء وأقلام الأحزاب السياسية والرأي العام علاقة دوام وغاية

الأحزاب السياسية والرأي العام علاقة دوام وغاية

FB IMG 1564326341325.jpg
كتبه كتب في 28 يوليو، 2019 - 4:10 مساءً

مما لا شك فيه أن وسائل الإعلام تلعب دورا هاما في الربط بين الرأي العام والأحزاب السياسية ، وأن الأحزاب السياسية مصدر للمعلومة السياسية التي تتكفل وسائل الإعلام بإيصالها للرأي العام عن طريق الإخبار والتأثير عليه من أجل الوصول إلى السلطة. الإشكالية المطروحة هنا هل يعتبر الرأي العام فاعلا أو مفعولا به؟ بمعنى هل يكون دائما سلبيا وخاضعا لإرادة الفاعل السياسي؟
من هذا المنطلق نتناول ماهية الرأي العام ومقوماته، ومدى تأثير وسائل الإعلام المختلفة فيه، ومفهوم الأحزاب السياسية ودورها في هذه المنظومة الثلاثية.
إن تثبيت أركان الممارسة الديمقراطية وإرساء قواعدها وتدعيم آليات اشتغالها، في إطار دولة الحق والقانون، وتحديث المؤسسات والهيئات السياسية ودمقرطتها وإصلاح المشهد السياسي وتأهيله جعل من بين أولويات الدولة إقرار تشريع عصري لتنظيم المشهد الحزبي للارتقاء بالأحزاب لتصبح رافعة قوية قادرة على تعبئة جهود وطاقات مكونات المجتمع وقواه الحية، بل و وسيلة لتهيئة مناخ سياسي ملائم، وأداة لإشعاع قيم المواطنة، وصلة وصل قوية بين الدولة والمواطن.
قامت الدولة بتبني التعددية الحزبية، كمكون بنيوي في المشهد السياسي العام، لمواجهة التقصير المتعلق بالمساهمة في نشر الثقافة السياسية ، وتكوين المواطنين وتأطيرهم وتوعيتهم ، والدفاع عن الطبقات الشعبية، من اجل إرساء أسس الديمقراطية و بناء مجتمع ديمقراطي وحداثي.
إن الإقرار بوجود ديمقراطية يرتبط اليوم بضرورة وجود أحزاب سياسية فلا يمكن الحديث عن ديمقراطية بدون أحزاب سياسية كما لا يمكن الحديث عن أحزاب سياسية في غياب الديمقراطية.
وهو ما تأكد بقوة في كتابات الفقيه الدستوري كلسن حينما أشار على:« أنه من الوهم أو النفاق القول بأن الديمقراطية يمكن أن توجد بدون الأحزاب ، وذلك أنه مما لا يحتاج إلى بيان أن الفرد وهو منفرد لا يكون له أي نفوذ حقيقي في تكوين الإرادة العامة، فالديمقراطية هي ولاشك دولة الأحزاب.»
ومن جهته اعتبر موريس دوفيرجيه أن « النظام الذي يختار فيه المحكومون الحاكمين عن طريق الانتخابات الصحيحة الحرة » مؤكدا على أن الحزب «عبارة عن تجمع من المواطنين يجتمعون حول منظمة معينة».
كما حاول جورج بوردو وضع تعريف شامل للحزب : « تنظيم يضم  مجموعة من الأفراد بنفس الرؤية السياسية تعمل على وضع أفكارها موضوع التنفيذ وذلك بالعمل في آن واحد على ضم أكبر عدد ممكن من المواطنين إلى صفوفهم وعلى تولي الحكم أو على الأقل التأثير على قرارات السلطات الحاكمة.»
من خلال هذه التعاريف نجد أن هدف كل حزب في الحياة السياسية هو الوصول إلى السلطة أو التأثير على قراراتها، عن طريق الممارسة الديمقراطية والتي تتمثل في الانتخابات، ودوره – يعني الحزب- يتجلى في تنظيم المواطنين وخلق الوعي لديهم إلى جانب الدفاع عن مصالحهم هذا دون أن ننسى أن الحزب يساهم في تأهيل مناضليه ومنخرطيه وتكوينهم في شتى الجوانب. و الحزب مفردا للأحزاب يساهم في تكوين الإرادة العامة عن طريق مشاركته في حلبات الجدل وبالتالي فهو يؤثر على الرأي العام ويوجهه ويرشده بفضل النقاشات التي يستثمرها في الفضاءات العمومية.
من هذا الجانب لا بد أن نتحدث عن ماهية الرأي العام؟
كغيره من مفاهيم العلوم الاجتماعية لم يتم الاتفاق على تعريف واحد جامع ، خاصة بتداخله مع مفاهيم أُخرى، لكن ذهبت بعض التعاريف إلى أن الرأي العام هو مجموعة مركبة من الآراء التي يعبر بها غالبية الأفراد في مجموعة جماهيرية داخل مجتمع ما عن مسألة معينة، يهتمون بها ويناقشونها، والرأي العام هو وعي أغلبية الجمهور في زمان و مكان محددين بقضية أو أكثر ‏تكون موضع خلاف و نقاش عام و صراع لأنها تمس مصالحهم.
إن اشتراط الوعي في الأغلبية إنما يعني إبراز دور وسائل الإعلام في إلقاء الضوء على المسائل العامة التي قد لا يدركها الشعب بسبب الجهل أو تقصير مؤسسات الوعي كالأحزاب.
هذا الرأي العام يتأثر بالعوامل النفسية للفرد والتي تؤثر فى رؤيته للأشياء والحكم عليها. و تلعب الأهواء و العادات و التقاليد و القيم و أساليب الحياة التي تنظم حياة الإنسان داخل البيئة التي يعيش فيها دورا بالغ الأهمية في بلورة الرأي العام. وتعمل الديمقراطية على قيام الحريات العامة، وهي حرية الفكر والاجتماع والتعبير و حرية الرأي، وحرية الصحافة والكتابة، وحرية العمل وغيرها تعد من مكونات الرأي العام.
ويتأثر الرأي العام بوسائل الإعلام و الدعاية ؛ فالإعلام هو العمليات التي يترتب عليها نشر معلومات و أخبار معينة تقوم على أساس الصدق و الصراحة، و احترام عقول الجماهير و تكوين الرأي العام وتنويره، أما الدعاية فهي العمليات التي تحاول تكوين رأي عام عن طريق التأثير في شخصيات الأفراد من خلال دوافعهم و انفعالاتهم ومفاجأتهم بالأخبار، و التهويل فيها، و تقديم الوعود الكاذبة.
إذن فالرأي العام يعتبر هندسة لقوى تسعى دائما للتأثير فيه والتحكم به، عن طريق استعمال مختلف الوسائل بتوظيف الدين والقيم والثقافة والتقاليد مع إدماج آراء خبراء الاجتماع و النفس والدعاية لخدمة أهداف تلك القوى ورسم سياسات للتأثير على الأفراد، واستعمال وسائل الاتصال الجماهيرية باعتبارها الأكثر انتشارا والأسرع وصولا لتداول الآراء ونقلها خاصة التلفزيون وشبكات التواصل الاجتماعي. ليستقر في ذهن الجمهور بأن القرارات تتخذ بسيادة مواقفه، فيؤدي كل ذلك في النهاية إلى ردود أفعال عامة متحكم فيها ترغب الجهة المحركة له أن يوظف لخدمة أهدافها.
لذا فالواجب على من يهتم بالشأن العام والحياة السياسية أن يعظم اهتمامه بالرأي العام؛ لأن معرفة اهتمامات وحاجيات الجماهير سيعبد الطريق إلى توطيد علاقته بالناس حيث يستطيع التأثير على الرأي العام. ومن هنا فإن الأحزاب السياسية من خلال المعلومة السياسية والتي تتكفل وسائل الإعلام بإيصالها للرأي العام، يمكنها حشد المتعاطفين مع برنامجها وتشكيل كتلة يمكن أن تصبح قاعدة انتخابية تخول لها الوصول إلى السلطة.
لكن هل يمكن بناء مجتمع ديمقراطي حداثي يضمن مقومات التنمية والعدالة الاجتماعية بأحزاب سياسية تفتقر إلى الفكر والمبادئ والأيديولوجيات وتخلت عن تأطير وتكوين وتمثيل الناخبين ؟

الحفيرة يوسف.
طالب باحث في ماستر التواصل السياسي.

مشاركة