اغراق السجون بالمعتقلين وسؤال العقوبات البديلة .

نشر في: آخر تحديث:

بقلم الأستاذ أشكور محمد /محام متمرن بهيئة المحامين بتطوان .


مما لاشك فيه أن العقوبات السالبة للحرية لم تعطي أكلها ، ولم تفي بالغرض الذي أحدثت من أجله ، بل هناك إجماع على أن العقوبات السالبة للحرية أثبتت فشلها أولا في محاربة الاجرام والمجرمين ، وثانيا في ردع المخالفين للقانون من إحداث الجرائم البسيطة ، وحيث كان الهذف الأساسي من العقوبة في البداية التنكيل بالمجرم وإيلامه لحدود عدم تفكيره في العودة للاجرام ، ظهرت بعد ذلك مدرسة جديدة تقدس أنسنة الإنسان ، وتدعو إلى تأهيل المجرمين ودمجهم في المجتمع بما يخدم صالح ذلك الانسان المجرم ، وكذا يخدم الصالح العام ، إلا أن عملية تطور التفكير في شكل العقوبة ونتائجها واثارها أنتجت ما يسمى بالعقوبات البديلة والتي نجد مظاهرها الإيجابية في عدد من الدول العربية وكذا الأوربية ، وباعتبار العقوبات البديلة نظام يتيح احلال عقوبة من نوع معين محل عقوبة من نوع اخر قضائيا ، سواء تم الاحلال ضمن حكم الإدانة أو بعده ويتم ذلك عند تعذر تنفيذ العقوبة الأصلية ، أو قيام احتمال لتعذر تنفيذها ، كما أن هذه العقوبات البديلة تتمثل في إبدال عقوبة سجنية بخدمة يؤديها السجين لفئة من فئات المجتمع أو لمرفق تعليمي او لموقع خيري بغية إصلاح ذلك السجين وحمايته من الادى وتقديم خدمة للمجتمع .
وبعدما أصبحت المؤسسات السجنية مرتعا خصبا لنشوء وانتشار الاجرام ، بدلا من أن تكون مؤسسات الإصلاح والتأهيل ، إتجهت عدد من الدول العربية للعمل بنظام العقوبات البديلة حمل معه أهذاف عديدة منها عدم اغراق المؤسسات السجنية ، وعدم اثقال كاهل الدول بميزانية وكلفة إيواء السجناء ، وكذا وقاية المخالفين للقانون ومرتكبي الجرائم البسيطة من تجربة السجن ، وما يتعلق بها من اختلاط بالمجرمين الكبار والخطيرين ، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد القانون المصري أخد بالعمل من أجل المنفعة العامة كبديل للحبس قصير المدة في المادة 18 من قانون العقوبات المصري ، كما نص القانون البحريني في المادة 371 من قانون الإجراءات الجنائية ، على انه من حق المحكوم عليه أن يطالب في أي وقت من قاضي تنفيذ العقاب وقبل اصدار الحكم بالاكراه البدني ، إبداله بعمل يدوي أو صناعي يقوم به ، القانون الجزائري أيضا أخد بنظام العقوبات البديلة في مادته 444 من قانون العقوبات ، والمادة 145 من قانون السجون .
على المستوى الأوربي ونحن نعيش زمن الكورونا وفترة خرق القوانين والاجراءات والبلاغات التي تصدرها الدول للحد من انتشار الفيروس قررت وزارة الداخلية الإسبانية عدد من العقوبات المالية ، كغرامات بديلة للعقوبات الحبسية تراوحت ما بين 600 أورو و10400 أورو بهذف ردع المخالفين وإلزامهم لاحترام الإجراءات الإحترازية ، وبالتالي ضخ مالية الدولة بما توفره عائدات هذه الغرامات التي وصفت بالقاسية ، فعوقب بعض المخالفين عن خروجهم بدون سبب ب600 اورو ، وعوقب آخرون لم يحترمو الشرطة ب2000 اورو ، فيما وصلت عقوبة المهين او المعتدي على الشرطة ما بين 3000 الى 10400 اورو .
بالنسبة للمغرب و بالرغم من ان المشرع المغربي اقر في المشروع الجديد للمسطرة الجنائية عقوبات بديلة كالعمل من أجل المنفعة العامة والغرامة اليومية وتقييد بعض الحقوق او فرض تدابير رقابية او علاجية او تأهيلية ،وعلى مستوى التدبير الردعي للمخالفين للقانون فإنه لا يمكن تسجيل سوى نقطة واحدة ووحيدة أنه لازال بعيدا جدا عن اعمال العقوبات البديلة سواء في الأيام العادية أو حتى في مرحلة تدبير جائحة كورونا ، ففي الوقت الذي نجد دول اخرى أبدعت في انتاج عقوبات بديلة تعود بالنفع على الدولة ماليا ، أو على المخالف سلوكيا ، نجد ولحدود كتابة هذا المقال أن نسبة الموقوفين على خلفية خرق الحجر الصحي او عدم الالتزام بإجراءات هذا الحجر وصلت لأكثر من 30.000 موقوف متلبس ، ففاق عدد الموقوفين عدد المصابين الذي وصل فقط ل3560 مصاب بفيروس كورونا، يعني أن 30ألف موقوف يشكلون وفي هذه الضرفية الحرجة عبئا على الدولة ، وتكلفة مالية تنضاف لتكاليف حماية المواطنين والعلاج والوقاية من الوباء ، بالإضافة للخطر الذي يمكن أن يشكله اختلاط هذا العدد بالسجناء الذين هم في الأصل يعانون من الاكتظاظ ، ونذكر على سبيل المثال حادثة سجن ورزازات والتي اصيب خلالها ما يقارب 77 حالة ما بين موظفين وسجناء .
كل هذا وذاك يدفعنا للقول بضرورة اعمال وتنفيذ العقوبات البديلة حماية لحياة السجناء ، وحماية لموظفي السجون ، وتخفيف للتكلفة المالية التي ترصد لايواء هذا العدد الكبير ، ومن جهة أخرى الاستفادة من إمكانية ضخ مالية الدولة المغربية بعائدات غرامات يمكن ان تكون بديل للعقوبات الحبسية .

اقرأ أيضاً: