صوت العدالة- عبد الكبير الحراب
تواصلت، اليوم الثلاثاء، بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، جلسات المحاكمة في الملف المرتبط بالاختلالات المالية والإدارية التي شهدتها جماعة الفقيه بن صالح، خلال فترة ترؤس الوزير السابق محمد مبديع للمجلس الجماعي، حيث خُصصت الجلسة لاستنطاق أحد المتهمين الرئيسيين، ويتعلق الأمر بحميد لبراش، الرئيس السابق للمصلحة التقنية بالجماعة.
خلال الاستماع إليه، واجهته هيأة المحكمة بجملة من المعطيات والوثائق المرتبطة بصفقات عمومية أثارت شبهات بشأن نزاهة المساطر وشفافية التدبير. واستهل القاضي استنطاقه بسؤاله حول دوره في تتبع أشغال بعض المشاريع الجماعية، ومدى مسؤوليته عن توقيع الكشوفات التقنية، مع التذكير بتصريحات سابقة أدلى بها أمام الفرقة الوطنية أكد فيها غياب توقيعه عن عدد من الوثائق.
المتهم، من جانبه، أكد أن دوره كان يقتصر على المراقبة العامة، فيما أوكلت مهمة التتبع الميداني لتقنيين آخرين، مشيرًا إلى أن المهام كانت موزعة وفق الهيكلة الإدارية المعتمدة داخل الجماعة.
وفي ما يتعلق بكشف الحساب رقم 6 المرتبط بالتسليم المؤقت لأشغال أنجزت بتاريخ 27 يوليوز 2019، أوضح لبراش أن المقاول المعني استوفى مستحقاته، قبل أن يواجهه القاضي بتقارير تتحدث عن ظهور عيوب وتشققات في الترصيف وبعض البالوعات، ما دفع المتهم إلى التأكيد على أن الإصلاحات المطلوبة أُنجزت قبل التوقيع على المحضر النهائي.
وطرحت الهيأة القضائية تساؤلات بشأن صفقات أخرى موضوع شكايات من مواطنين تحدثوا فيها عن دراسات تقنية غير مكتملة أعدها مكتب دراسات معين. المتهم نفى هذه الادعاءات، مؤكداً أن جميع الدراسات أُنجزت وفق المعايير القانونية المعتمدة، وبتنسيق مع المتدخلين التقنيين.
كما تطرق القاضي إلى وجود تفاوت غير مبرر في الأسعار بين الكلفة الأصلية والثمن الأحادي بعد تنفيذ المشروع، حيث علّل المتهم هذا التفاوت بتعديلات طرأت على الأشغال في بعض الأزقة، لافتًا إلى أن لجنة تفتيش ميدانية واكبت هذه التعديلات، وأن بعض الفروقات في الأسعار تم رصدها دون أن تُنفذ فعليًا.
وفي ما يخص صفقة التأهيل الحضري التي تولت تنفيذها شركة “أفير”، أكد المتهم أنه أشرف شخصيًا على تتبع الأشغال، نافياً تسجيل أي فروقات غير قانونية في الأسعار، مشيرًا إلى أن التعديلات التي طالت المشروع اقتصرت على طبيعة الأشغال دون المساس بالكلفة المالية.
لكن القاضي واجهه بتقرير صادر عن المفتشية العامة للإدارة الترابية، يكشف وجود تفاوتات في الأسعار، خاصة في صفقة أُسندت بشكل مباشر لشركة “أفريدي” دون احترام قواعد المنافسة. وعلّق لبراش بأن الأسعار كانت متقاربة، وأن مكتب الدراسات هو من تكفل بإعدادها وفقًا للقوانين المعمول بها، موضحًا أن العروض المقبولة غالبًا ما تكون الأقل كلفة.
وتضمنت الجلسة أيضًا مناقشة محضر للاستماع إلى مستشار جماعي يدعى عبد الرزاق ع، تحدث فيه عن شبهة إقصاء لتجمع شركتي “نوفيك” و”سميك” من المنافسة على صفقة دراسات، رغم توفرهما على الوثائق القانونية. واعتبر المستشار أن الإقصاء غير مبرر، في حين أوضح المتهم أن شركة “سميك” لم ترفق ملفها بشهادات الاعتماد، وأن بعض وثائقها كانت محررة باللغة الإنجليزية دون ترجمة قانونية، بينما لم تكن التغطية التقنية للتجمع كاملة بالشكل المطلوب.
كما أثارت المحكمة اختفاء دفاتر الورش المتعلقة بإحدى الصفقات، واعتبر القاضي أن هذه الدفاتر تمثل “الحالة المدنية” لأي مشروع، ما يطرح تساؤلات حول قانونية تنفيذ الأشغال. لبراش ردّ بأنه لا يعلم بمكان الدفتر المعني، وأنه لم يكن يتولى المسؤولية في تلك الفترة، مضيفًا أنه أدلى بتوضيحات بهذا الخصوص أمام الفرقة الوطنية.
وتوقفت الجلسة أيضًا عند صفقة لم تُحترم فيها الآجال القانونية المحددة لإنهاء الأشغال، حيث أشار المتهم إلى أن الجماعة وجهت إنذارًا للمقاول دون أن تتلقى أي جواب، كما لم يصدر قرار رسمي بوقف الأشغال.
ومن ضمن ما نوقش كذلك صفقة تتعلق باقتلاع 84 شجرة أنجزتها شركة “لاسنطرال”، بتكلفة تراوحت بين 110 و120 درهماً للشجرة الواحدة، وهو ما أثار تساؤلات دفاع الطرف المدني بشأن من يحدد الأسعار المرجعية. المتهم أوضح أن هذا الأمر يتم عادة من طرف مكتب الدراسات بالتنسيق مع المقاول المنفذ.
وفي معرض رده على سؤال حول صفقة أنجزتها شركة مملوكة لشخص يُدعى “لحسن ز”، أشار لبراش إلى أن المفتشية العامة سجّلت ملاحظات تقنية ضمن تقاريرها، مؤكدًا أن التسليم النهائي للصفقة لم يتم بعد، بينما تم التوقيع المؤقت على صفقة أخرى في وقت لم تكتمل فيه الأشغال بعد.
واختتمت الجلسة بقرار تأجيل الملف إلى غاية يوم الثلاثاء المقبل على الساعة الثانية زوالاً، وذلك من أجل مواصلة الاستماع إلى باقي المتهمين ومواكبة مسار التحقيق القضائي الرامي إلى كشف كافة خيوط هذا الملف الثقيل، الذي يرتبط بفترة حساسة من تدبير الشأن المحلي بجماعة الفقيه بن صالح.

