صوت العدالة – صباح لحسيني
عندما تعم الفوضى في الخطابات ، وتعمي الأنانية والمصالح الأعين عن رؤية بعض الحقائق ، وعندما لا يكون للبسطاء الحق في البوح عما يقلقهم أو يثقل كاهلهم لأنه فرض عليهم التعايش مع مجتمع قاسي يهمش بعض الطبقات ويرفع إلى الأعالي طبقات أخرى تحت منطق المحسوبية والزبونية ومنطق التقرب من أصحاب النفوذ، تكون الكارثة ، كارثة بكل المقاييس لا يمكن محاصرتها لا بالمحاضرات ولا بالبلاغات ولا بالبيانات ولا حتى بالهتافات الرنانة .
قد يبدو اليوم أبعد ما كانت عليه الصورة سالفا عندما أصبحت تتحكم في الأمور مجموعة من الانتهازيين الذين احتكروا القرار والفعل النضالي فكثر اللغط باسم الإصلاح، وانتشر البؤس في جميع المستويات، وأصبح النضال في متناول الجميع مادام بمستطاع الجميع التفاعل في شبكة التواصل الاجتماعي ، فكثرت الخلافات والمشاحنات بين الأشخاص باختلاف التوجهات ، وبرزت الأنانية بدل الإيثار والغطرسة بدل التواضع وتعذر الإقناع لغياب النجاعة في التدخلات في قضايا تحتاج الكثير من التمرس والمهنية والمصداقية ، وهذا بالضبط ما أعطى أكبر سيناريوهات الفوضى والعبث والذي نلامسه كل يوم .
قد لا ننكر وجود فئة قليلة من المناضلين في هيئات المجتمع المدني والذين ترجموا حاجيات السكان في عدد من المنابر وكانوا أصواتهم العميقة ، وأداة لشجب كل ما يمس حقوقهم وملجأ لحمايتهم ، وكانوا حاضرين وبقوة للانتصار لقضايا إنسانية من خلال توظيف أساليب الضغط والإقناع لا سيما من خلال نهج سياسة الإحراج الإعلامي، كما يجب أن لا ننكر إستراتيجيتهم الفعالة في التعبير عن مطالب فئة معينة من المجتمع و تغيير الأوضاع القائمة ، فمصير بعض القضايا اليوم وغدا في يد المناضلين الأكثر حماسا للتغيير .
نحن بحاجة إلى كل مناضل يضحي وبكل إصرار ليكون حاضرا جنبا إلى جنب مع المسحوقين للتعبير عن معاناتهم وآلامهم الحقيقية ، ولا نحتاج إلى تنظيمات تجلدهم وتوجه السوط إليهم لا لشيء سوى لتلميع صورتها واثبات كينونتها بعدما أصابها التعثر ناسية أو متناسية أنها وللأسف الشديد وجودها لم يعد يجدي نفعا ولم يعد يلقى ذاك التأثير عند العامة من المواطنين, لتبقى كل تحركاتهم فاقدة للمعنى لأنها لا تؤثر إلا على العقول السذج، ولا تسبب إلا بعض التعتيم والتشويش على مسار بعض القضايا المهمة .
إن الفشل في صنع التحام بين المناضلين بعيدا عن كل غوغائية ليكونوا صوت المقهورين فقط، هو السبب نفسه في تغييب استراتيجيات بناء نضال حقيقي متمرد له مكانة مقدسة عند الآخر، وهو السبب في بروز فئة لا تهتم إلا لإنقاذ نفسها من الاندثار وترجع شعبيتها و أيام عزها وإشراقها، وهو السبب كذلك في تكاثر فئة أخرى متطفلة على مجالات بعيدة كل البعد عن مستوياتها الثقافية والمنخرطة في الكثير من الجمعيات والتنظيمات والتي اعتدنا رؤيتها في الاجتماعات والدورات وووو… والأخطر من هذا كله هو ظهور خطاب الرضا والدعم من بعض الجهات ليظل جليا لنا أن المصالح المشتركة هي أكبر من كل هاجس له صلة بهموم البسطاء.