الرئيسية أخبار فنية إعادة الكتابة أو محو النص بالكتابة عليه، في مسرحية مجاز للمخرج الشاب حمزة الصمدي

إعادة الكتابة أو محو النص بالكتابة عليه، في مسرحية مجاز للمخرج الشاب حمزة الصمدي

IMG 20240219 WA0026.jpg
كتبه كتب في 19 فبراير، 2024 - 6:53 مساءً

صوت العدالة- عبد العزيز الحلو

بعيدا عن قضية “التناص” أو “التضمين” وما قد تأتي به رياح التشابه مع القضايا النقدية الحديثة التي جاء بها الشاعر الأرجنتيني “خورخي لويس بورخيس” و التي جاءت كمحاولة شجاعة لكشف بعض الأسرار الأدبية المختبئة وراء النصوص. هذه القضايا لا تفرض قطيعة مع القضايا المجانسة لها، بل هي تستند عليها لبناء الأساس النقدي، تماما كما تستند على كل النصوص لتجعلها نصا واحدا ممتدا عبر سلسة لامنتهية من التأثيرات التي لا يمكن التحكم فيها، لا إراديا، فالنص الأخير ليس ابتكارا من لاشيء و لكنه بالأساس تجلي مجموعة من النصوص السابقة المختزنة في اللاوعي.
إن هذا أقرب ما نجده في مسرحية “مجاز” للكاتب و المخرج الشاب ”حمزة الصمدي”، انطلاقا من جعل طرائق الحكي المسرحي توليفة مركبة عن سلسة من العوالق النصية التي تحكمت في النسج الحكائي الكامل، و ذلك عبر المستويات الدراميا التالية:
شخوص المسرحية و هم أحلام و إسراء و الظل، نكتشف فيهم صدق تحقق البناء فوق الركام، فالشخصيات تكاد تتكلم بلسان واحد و بمرجعية واحدة، و تحكي قصة واحدة بأسلوب واحد، هي إذا كلمة تمحي كلمة بالكلمة، كلعبة ضمنية تتكون من أشكال مختلفة لكنها بنفس اللون، هذا اللون كان هو الأبيض، أو ما يعرف بالكتابة بحبر أبيض على ورقة بيضاء، و هو ما يحيلنا مباشرة للمخرج المسرحي محمد الحر، و ما جاء به في أعماله عن الفراغ و الخواء و عن التشكيل الحكائي الأبيض، إننا نقترب أكثر إلى معنى إعادة الكتابة عند بورخيص، لنعتبر كتابة الشخصيات مبني على مكبوتات مشهدية و فكرية تتعلق بما علق في لاوعي الكاتب من تجربة محمد الحر الإبداعية و غيره.
الحكي المسرحي، و هو الباب المشرع الذي يرحب بك، بل و يشدك شدا لمتابعة سردية الأحداث و تعاقبها، في محاولة جريئة للتخلي جزئيا عن الحوار المسرحي، و تلبيسه عباءة الحكائي و السردي، فمعظم وقائع المسرحية نتلقاها على شكل سرد مباشر، تتلون أشكاله فمرة يكون مقفرا جافا للضرورة، و مرة يكون شاعريا و منسابا، و أحيانا أخرى يكون نخبويا متعاليا، هذا التنويع يؤكد الخلفيات الفكرية للكاتب المتعددة، التي تنهل من مختلف التجارب الإبداعية المسرحية المغربية المعاصرة، و كذلك من الأشكال و الأجناس الأدبية و الفنية.
إننا نؤخد لفهم قضية إعادة الكتابة بالكتابة، إلى واد ممتد يصلنا بإعادة القراءة، إعادة المقري و السماح له بفسحة للبوح المتقطع، فالنص لا يمكن أن يفضح عورته في المرة الأولى أو الثانية، بل نحتاج إلى إعادة القراءة بالقراءة، كما نحتاج إلى إعادة الكتابة بالكتابة.

مشاركة