الرئيسية آراء وأقلام إدماج العربية في التكوين العلمي: خطوة جريئة أم رهان محفوف بالمخاطر؟

إدماج العربية في التكوين العلمي: خطوة جريئة أم رهان محفوف بالمخاطر؟

IMG 20250820 WA0082
كتبه كتب في 20 أغسطس، 2025 - 9:50 مساءً

بقلم:عبد الكبير الحراب

قرار تفعيل مقتضيات القانون الإطار رقم 51.17، والقاضي بإلزامية تدريس وحدة باللغة العربية داخل الكليات العلمية ومدارس المهندسين وكليات الطب، ليس قراراً عادياً. إنه حدث لغوي وثقافي بامتياز، يحمل في طياته بُعداً سيادياً ورسالة واضحة: أن لغة الضاد لم تُخلق لتظل حبيسة الأدب والشعر، بل لها الحق أن تتنفس في فضاء العلوم الدقيقة والتكوين المهني المتخصص.

شخصياً، أعتبر هذه الخطوة شجاعة ومفصلية في تاريخ التعليم العالي بالمغرب. فهي أولاً ترد الاعتبار للغة الوطنية داخل أسوار الجامعة، بعدما طالها تهميش ممنهج جعلها غريبة في أرضها، وكأنها غير قادرة على استيعاب المفاهيم العلمية. وثانياً، هي إعلان صريح بأن الهوية لا يمكن أن تبقى أسيرة لخطاب ثقافي فقط، بل يجب أن تُترجم في الممارسة اليومية للتعليم والبحث العلمي.

لكن، وأنا أكتب هذه السطور، لا يمكن أن أتجاهل التحديات الثقيلة التي تترصد هذا القرار. فالعربية، رغم ثرائها، تعاني من نقص فادح في المراجع العلمية الحديثة، ومن غياب سياسة لغوية واضحة لتوحيد المصطلحات وتعميمها. الأساتذة أنفسهم قد يجدون صعوبة في صياغة المفاهيم بلغة سلسة ودقيقة، ما قد يحول النية الحسنة إلى ارتباك بيداغوجي.

ورغم ذلك، أرى أن الخطر الحقيقي ليس في إدماج العربية، بل في التخلي عنها. فالتجارب العالمية تثبت أن الأمم التي حققت نهضتها العلمية – من اليابان إلى ألمانيا – لم تفعل ذلك باللغات الأجنبية فقط، بل انطلقت أولاً من لغتها الوطنية، ثم فتحت نوافذها على اللغات العالمية. المغرب اليوم لا يحتاج إلى طمس العربية بحجة “الانفتاح”، بل إلى تمكينها من المشي جنباً إلى جنب مع الإنجليزية والفرنسية، في معادلة متوازنة تحفظ الهوية وتضمن التنافسية.

إن إدخال العربية إلى كليات العلوم والهندسة والطب هو رهان حضاري أكثر مما هو إجراء إداري. نعم، قد يتعثر في بدايته، لكن الأهم أن نمتلك الشجاعة لبدء المسار. وإذا كنا جادين، فعلينا أن نواكب القرار بترجمة المراجع، وتكوين الأساتذة، وتشجيع النشر العلمي بالعربية. حينها فقط، لن يكون هذا القرار مجرد حبر على ورق، بل لبنة أولى في بناء سيادة لغوية طال انتظارها.

مشاركة