الدار البيضاء – حسمت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، بحكم قضائي لافت، واحدًا من أكثر الملفات إثارة للجدل في الساحة الجامعية، عندما أقرت مشروعية إلزام الطلبة الموظفين بأداء واجبات التسجيل بسلك الدكتوراه، مؤكدة أن مبدأ مجانية التعليم لا يُفهم على إطلاقه، ولا ينطبق بنفس الكيفية على الطلبة غير المتفرغين الذين يستفيدون من تكوينات وخدمات إضافية.
وجاء الحكم على خلفية طعن تقدم به أحد الناجحين في مباراة ولوج سلك الدكتوراه، رفض أداء مبلغ 10.000 درهم حددته إدارة كلية متعددة التخصصات بخريبكة كواجبات للتسجيل النهائي، معتبراً أن ذلك يمس بالحق الدستوري في التعليم والمساواة بين المواطنين. غير أن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء اختارت مقاربة واقعية ومتوازنة، ربطت فيها بين النص الدستوري، والالتزامات الدولية، والإكراهات العملية التي تتحملها الجامعة العمومية.
أكدت المحكمة أن الفصل 31 من الدستور، وإن كرس الحق في التعليم، فإنه ربط تفعيله بتعبئة الوسائل المتاحة، وهو ما ينسجم مع مقتضيات العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي جعل مجانية التعليم العالي هدفًا تدريجيًا مرتبطًا بالإمكانيات والموارد.
وانطلقت المحكمة من تمييز جوهري بين الطلبة المتفرغين وغير المتوفرين على دخل قار، وبين الطلبة الموظفين الذين يتوفرون على عمل وقدرة على الأداء، ويستفيدون في المقابل من تنظيم خاص للدراسة، خارج التوقيت الجامعي العادي، يشمل فترات المساء وأحيانًا الليل، مع ما يرافق ذلك من أعباء مالية وبشرية إضافية تتحملها الجامعة.
الحكم لم ينظر فقط إلى وضعية الطاعن، بل استحضر مصلحة المرفق الجامعي ككل، حيث اعتبرت المحكمة أن فرض واجبات التسجيل على الموظفين لا يمس بمبدأ المساواة، بل يكرسه، لأنه يقوم على معاملة مختلفة لوضعيات مختلفة. فالجامعة، وهي تفتح أبوابها مساءً وليلاً لتمكين الموظفين من استكمال مسارهم العلمي، تضاعف من التزاماتها المالية والتنظيمية، سواء على مستوى التأطير البيداغوجي أو الموارد البشرية أو الخدمات اللوجستية.
ومن هذا المنطلق، اعتبرت المحكمة أن تحميل الجامعة هذه الأعباء دون مقابل، في وقت يعاني فيه التعليم العالي من محدودية الموارد، يشكل ضربًا لمبدأ التوازن المالي واستدامة المرفق العمومي.
توجه قضائي مقابل: وجدة في الاتجاه المعاكس
ويكتسي هذا الحكم أهميته أيضًا لكونه جاء في اتجاه مخالف لما ذهبت إليه المحكمة الإدارية بوجدة، التي سبق أن أقرت إعفاء جميع الطلبة، بمن فيهم الموظفون، من أداء مصاريف الدراسة. وهو توجه اعتبره متتبعون غير منسجم مع واقع الجامعة العمومية، ولا مع الفوارق الموضوعية بين الطلبة المتفرغين والموظفين، الذين يملكون دخلًا قارًا وقدرة فعلية على المساهمة في كلفة تكوينهم.
نحو عدالة جامعية متوازنة
إن حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء يشكل، في نظر عدد من الفاعلين، لبنة أساسية في ترسيخ اجتهاد قضائي عقلاني ومتوازن، يحمي الحق في التعليم دون تحويله إلى عبء غير محتمل على الجامعة العمومية، ويصون مجانية التعليم لفائدة من هم في حاجة فعلية إليها، مع تحميل الموظفين نصيبهم العادل من كلفة تكوين يستفيدون منه بشروط استثنائية.
وهو توجه يعيد الاعتبار لمنطق الإنصاف، ويبعث برسالة واضحة مفادها أن تطوير التعليم العالي لا يستقيم بالشعارات وحدها، بل بتوزيع عادل للأعباء، يضمن استمرارية المرفق وجودة التكوين، دون المساس بجوهر الحق في التعليم

