بقلم: هند بومديان
مازالت تسكنني طفلة البوريد ، ترقص قبالة البحر و صوت رشفتها ك غروب الشمس ، يدعو جموع الورد لصلاة اللقاء الأولى ، يدثر كفها غسق الأحلام ، خلف جزر تغتسل منذ أربعين خريفا ، لتستفيق بفتور على تراتيل ساقية في منتصف الشوق .
و رمق الحدق الساكن على أغصان الغاف يرصد حشرجات الروح ، و مياه الأفلاج ، وعبير الصحاري هناك على بعد أميال من بحيرة الأمل يهز أغصان الوريد بعينين جائعتين ليستلقي بين أروقة الوقت عساه يحتضن الغمام و عيون السماء لا تتسع لدخاني الداكن و لا لغة الرقص على سرمدية القمر .
كان السؤال، كيف تكتب طفلة اليوريد الليل ؟
أرسم دروبا من مروا في المساء ، و إن طفح الليل بسلام ، و طفلة البوريد تحتضن رهف الحرير، و صوتها تعلوه بحة التعب ك شجون الخريف ، لتخضب أنفاس الحياة ، عسى الشوق يدغدغ أبجدية بوحها ، أو عساه يعري شفاه الصمت ، حين يخرج الروح من نازية الرماد ، و كل آهاته تريق شهوة القمر.
كيف ترسم طفلة البوريد صمتا في طياته معنى الهمس..؟
كيف لا و شغف الوجد الدافئ يأثث الأحلام ، و يقطف براعم اللهفة ليثير قافيتي الكسيرة ، و غنج الأسرار الثمانية ، و ربما يغتسل من طهر العذارى قبل استيقاظ الليل .
رفقا يا زمن برعشة رمش كان سرمديا ، ف تعلم لغة النجوم لتولد به الحياة بخافق العمر العليل ، ك أفق يرتب حجم الشعور ، و إن ظل الطريق وسط غبار الألسنة المعقودة ، ليقرا تراتيل المساء ، و شموع الساكنين شغافنا .
لتحمل الحنين على ظهر الوقت ، ك نشوة تستفيق على همهمات الحلم ، لتغتسل من أربعين خريفا ، كان يعري نزوة الحرف كل ليل نازق ، و يستبيح الأبجدية ل يرتب حجم مفردات الشوق بداخلي ، و عطر وردة شاردة يعانق بعضه بعضا ، ك آخر النجمات في قلبي لأعلم أن العمر ك المرسى ، و صفعات الأسى موج و طعنات الحزن خرسا …
كان السؤال، كيف تجني طفلة اليوريد الدفء من غابة تحترق؟
لَو كان لي ألف ساعة في مدارات الليالي ، و أقمار تقتفي أثار أقدام ، ل تطوف بخيال الوقت ، و تنقب عن الأحلام الأرجوانية ، تلك التي تراود نفسها ، عن نفسها .
ف تستجمع فتات العمر المتبقي في لوحة تذكارية ، هناك في ذاك الركن البعيد ، و جسد الطوفان يبتلع شهوة فكرتي ، و يستنطق مآذنها القديمة ، ليلهج الروح للمعة ومض ، و انبلاج نور وسط الظلام ، ينسج من خيال العمر دروبا ، و ألحانا .
تردد مجد أغنية عصية الإيقاع ، وتراتيل ساقية في المنتصف ، ف تنسكب الراحة في عمري ، انسكاب شمس النهار على نافذة الصبح الحزين، حتى لا يعتريني خوف ، أو رهبة من جهارة .
و ربما تنبث أشوكا ، و نصلا ، و تلملم بقايا عطر من عبروا دروب الخيال ، ك أزهار ندية ، أو كغيمة نار تمر بحلمي ، تناغش أفكاري من وراء مشكاة ، تنير الدرب في التيه بهدوء ساحر ، ف بيني ، و بيني ، عمر ضائع ، و طريق مسدود ، و حلم خائن ، يفصل بين ذاتي و أشلائي ، من حيث لآلئ الروح تلمع .
و للجسد في التيه لغة و أسرار ، توقد نيران عمر يحاصر بعضه بعضا ، كي لا يطرق أبوابا متخمة ب أثار أيدي الغرباء ساعة و ساعات ، لتسابق طيات الدهر التي تاهت بين زوايا العمر المزدحم ، عساني أسقيها صفوا يغسلها ، و ينقيها من كدر الخوف ، و أراجيح الحنين .
ف كيف نترفّق بقلب يخفق استجابة للنداء ؟
أنا التي تدوس عتبات و عتبات ، تنام في حضنها مطايا العابرين قبل أن تتوارى خلف الظل ، و الروح مني ذائبة تترنح ، على وتر كمان يهذي مواويله ، و آه ألف آه …
بيني و بيني درب جهول ، و سلك شائك ، و أنفاس متهالكة ، و صهيل شفق يفتش في عيون الرمل عن وعد يلملم الانفاس من لجة التيه ، ليقتفي أثار القمر ، و يغتال المدى حدسا فيرمم داخلي ، و ينجلي صوت الحنين كهديل الجراح .
ف كيف ب الأحرى أن تنزل الكلمات مضمار الرقص ؟
أحيانا تراني أرتدي الوجه العابس ك قلائد ضياء ، و كل ساعاتي مكتملة حواسها تعلن البحث عني ، و عن ذاتي كمصابة بداء أرق الأحلام ، محكومة بمشاعر تدغدغ النبض ، ل تأتي من جحيم الدمع ، و ل تشرب من المآسي أكوابا ، و فناجين تصدح ، ليفوح عبيرها كشذى نسرين ، و يملؤها السكون ك سيل جار بين الشهب ، تتساقط منه حبات الوجد .
كثيرا ما غمست أحلامي في شهاب الزمن ، بعد أن منحت نبضي قربانا لمعابد الشوق ، عله يروي شجر الغاف و يحكي له ما حملت ضلوعه من أسى ك لحن غيم سابح في دهاليز القمر ، فوجدت فيه طريقا كنت قد ضيعته ، و أنا التي ارتشفت اللهفة عمري ، و روحي عبثا ، حتى لا أستبق ألسنة الزمن و أغرد على مشجب التمني .
فيا ليل ما أشجى دياجيرك ، و ما أقسى روحك تلك التي توقد شمعة لتربك السؤال على شفاه الناي ، و تستجدي عقاربها الكمال بين شظايا النور و الصمت كروح تستنهض السكون ، و تكدس بالعيون دروبا موصدة لتطارد في جسد القصيد فراشات تحمل تفاصيل ملامحها و خلاصة ضوء و وعد .
تنسل خلف أغصان العمر لتتنفس من رنة النور على رصيف الشمس باحثة عن مكمن تتوارى خلف سفوحه طفلة البوريد ، و في كفيها زهرة من حنين تقطع أوراقها دمعة ، دمعة و نبوءات روحها ك طقوس كل موسم تتساقط متتالية لتبدأ التسبيح و تأذن للرحلة أن تبدأ نحو المجهول .
أنثى البوريد
كتبه Srifi كتب في 1 أغسطس، 2021 - 12:08 مساءً
مقالات ذات صلة
13 يناير، 2025
حين يضيق الأفق في مرآةٍ واسعة.
بقلم…معاذ فاروق هناك، في صمت اللحظات الثقيلة، حيث يتصارع الضوء مع امتداد الظل، تبدو الحياة كأنها ساحة لصراع أزلي لا [...]
13 يناير، 2025
فرنسا والجزائر، قضية المؤثرين،القشة التي قسمت ظهر البعير.
بقلم..عبد السلام اسريفي/ رئيس التحرير فبعدما كان يتعلق بـ”خلاف سياسي” حول موقف باريس المستجد من قضية الصحراء المغربية ومقترح الحكم [...]
12 يناير، 2025
قد نختلف.. لكن لماذا ؟؟
بقلم…محمد الموستني قد يعجز الافراد عن اداره الاختلاف في مجتمعات ينتمون اليها وتفتقد التعدديه التي تعتبر رافدا من روافد الديمقراطيه، [...]
9 يناير، 2025
” مكاسب الدبلوماسية الملكية الحكيمة تكريس لتسريع وتيرة الطي النهائي لملف النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية “
بقلم الأستاذ/ الكاتب الحسن لحويدك رئيس جمعية الوحدة الترابية بجهة الداخلة وادي الذهب. بناء على العديد من المعطيات ، شهدت [...]