بقلم: عبد الكبير الحراب
ها هي رئاسة الأغلبية الحكومية، بقيادة عزيز أخنوش، ونزار بركة، وفاطمة الزهراء المنصوري، ومحمد المهدي بنسعيد، تخرج علينا ببيان طويل مملوء بالوعود واللغة الخشبية. بيان لا يقنع حتى من صاغوه، في وقت يعرف فيه المغرب واحدا من أخطر المنعطفات الاجتماعية والسياسية: صعود حراك جيل “زيد” الذي يدخل يومه الرابع على التوالي، بتصعيد ميداني غير مسبوق، يهز الشارع ويزلزل أركان السلطة.
كيف يمكن لأخنوش أن يتحدث عن “الإنصات للشباب” بينما هؤلاء الشباب يملؤون الشوارع والساحات الرقمية بشعارات الغضب واليأس؟ بأي وجه يقف نزار بركة ليوقع على بلاغ يتحدث عن “تقليص الفوارق الاجتماعية”، والمغاربة يشهدون كل يوم اتساع الهوة بين طبقة حاكمة تغرق في الامتيازات، وشباب عاطل عن العمل لا يجد قوت يومه؟ وأي معنى لكلام فاطمة الزهراء المنصوري عن “التأهيل الترابي” في وقت يعيش فيه أبناء القرى والهوامش تهميشا ممنهجا، يدفعهم إلى حمل شعلة “زيد” كصرخة ضد الظلم؟
البلاغ يتحدث عن إصلاح المنظومة الصحية، وكأن المواطنين لا يرون المستشفيات وقد تحولت إلى أماكن للإهانة بدل العلاج. عن أي إصلاح يتحدث بنسعيد وهو نفسه يعرف أن جيل “زيد” خرج لأن الوعود الحكومية لم تعد تطعم خبزا ولا تعالج مريضا؟
إن أخطر ما في هذا البيان أنه جاء منفصلا تماما عن الواقع: بينما الشارع يغلي بالحراك الشعبي، تكتفي أحزاب الأغلبية بكتابة نص بارد يكرر الشعارات المستهلكة حول “الدولة الاجتماعية” و”الحوار”، في وقت يزداد فيه الاحتقان الشعبي وتتسع رقعته جغرافيا واجتماعيا.
جيل “زيد” ليس مجرد حراك عابر، بل هو تعبير صارخ عن قطيعة جيل كامل مع الطبقة السياسية برمتها، وعلى رأسها هذه الأغلبية الحكومية. تصعيد اليوم الرابع يبرهن أن محاولة امتصاص الغضب عبر بيانات إنشائية لن تنجح. أخنوش وبايتاس والطالبي العلمي والسكوري وكل الموقعين على البيان يعرفون جيدا أن ما يجري في الشارع أخطر بكثير مما كتبوه في الرباط.
إن المغاربة اليوم أمام لحظة تاريخية: إما أن تتوقف هذه الحكومة عن بيع الأوهام وتقدم حلولا ملموسة تعيد الثقة، أو أن الحراك سيفرض منطقه، وقد يتطور إلى موجة غير مسبوقة تهدد استقرار المشهد السياسي برمته.
البيان الأخير ليس سوى محاولة للهروب إلى الأمام، لكنه في الحقيقة وثيقة إدانة جماعية لثلاثة أحزاب فقدت كل شرعية شعبية: التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، والاستقلال. والتاريخ لن يرحم من اختبأ خلف البلاغات فيما كانت أصوات “زيد” تملأ الشوارع، مطالبة بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.

