الرئيسية آراء وأقلام نقاش هادئ حول ولوج القضاة للمحاماة في أهمية المعيار الأخلاقي أكثر من المعيارين الزمني و الأكاديمي

نقاش هادئ حول ولوج القضاة للمحاماة في أهمية المعيار الأخلاقي أكثر من المعيارين الزمني و الأكاديمي

received 870530353443954
كتبه كتب في 27 يونيو، 2020 - 4:48 مساءً

د/ خالد الإدريسي

أثار موضوع ولوج زملائنا القضاة لمهنة المحاماة منذ زمن طويل الكثير من الجدل بين مؤيد و معارض ، و قد تجدد هذا النقاش و التضارب بعد تشدد جمعية هيئات المحامين بالمغرب في مسودتها لتعديل قانون مهنة المحامين في هذا الباب ، بعد أن إقترحت على وزارة العدل إدراج شرطين أساسين لولوج القضاة للمحاماة ، الأول هو عدم تجاوز سن 55 سنة كحد أقصى ، و الثاني هو ضرورة حصول القاضي المترشح للولوج إلى مهنة المحاماة على شهادة الدكتوراه ، و بالتالي التراجع عن مقتضيات المادة 18 من قانون المحاماة الحالي التي كانت تحفظ هذه الإمكانية لزملائنا القضاة فقط في حالة قضائهم مدة ثمان سنوات على الأقل في ممارسة القضاء , بعد حصولهم على الإجازة في الحقوق و قبول استقالتهم أو إحالتهم على التقاعد ما لم يكن لسبب تأديبي , أو قدماء القضاة من الدرجة الثانية أو من درجة تفوقها , بعد قبول استقالتهم أو إجالتهم على التقاعد ما لم يكن ذلك لسبب تأديبي .

و قد برزت أهمية هذا النقاش حينما أعلن السيد رئيس جمعية المحامين بالمغرب على أنه تم الاتفاق مع وزارة العدل باعتبارها الجهة المختصة في بلورة مشروع قانون جديد للمهنة على جميع الأحكام و المقتضيات التي يجب أن يتضمنها قانون المهنة الجديد ما عدا نقطتين أساسيتين الأولى تتعلق بولوج القضاة للمهنة التي كانت الجمعية تشترط  فيه الشروط المشار إليها أعلاه ، و الثانية توسيع مهام المحامي و تمكينه من النيابة على الإدارات العمومية . و بالتالي فهذا الأمر أعطى الانطباع لدى قاعدة المحامين على أن جميع توصيات المناظرات والمؤتمرات التي كانت تعقدها الجمعية قد تم أخدها بعين الاعتبار أثناء صياغة المسودة و أثناء التوافق بين الجهاز الذي يمثل الدولة و بين الجهاز الذي يمثل رجال و نساء الدفاع ، لا سيما التوصيات التي خلص إليها المؤتمر الأخير الذي انعقد بمدينة فاس ، و أن الإشكال بقي رهين هاتين النقطتين فقط دون غيرهما , رغم أنه تبين مؤخرا أن مسودة مشروع قانون المهنة المقترح من طرف الجمعية لم يلتفت إلى توصيات مؤتمر فاس و لا يختلف في أغلب مقتضياته عن قانون المهنة الحالي بمساوئه و تراجعاته . إلا أن ما زاد موضوع ولوج القضاة إلى مهنة المحاماة إثارة مرة أخرى هو ما قيل و أشيع مؤخرا حول توافق الجمعية مع وزارة العدل حول هذه النقطة و بالتالي تراجعها عن هذا المطلب الذي كانت تعتبره جوهريا بالنسبة إليها ، و هذا ما جعل عدد كبير من قواعد هيئات المحامين بالمغرب تعترض و تنتقد هذا التراجع ، الذي تعتبره إجراء ضروريا له ما يبرره من الناحية القانونية و الواقعية ، من خلال تكريسه من جهة للتعامل بالمثل مع يفرضه النظام الأساسي للقضاة من ضرورة توفر المحامي على أقدمية تفوق عشر سنوات و حصوله على شهادة الدكتوراه ، و أيضا للحد من تدفق جحافل القضاة على مهنة المحاماة و استغلال القلة منهم لوضعيتهم و صفتهم السابقة في القيام ببعض الأفعال المشبوهة كالسمسرة و المنافسة غير المشروعة .

إلا انه بعيدا عن العلاقات بين المحامين و القضاة التي يطبعها في اغلب الأحيان التوتر والمنافسة , و إذا أردنا أن نحلل هذا المقتضى وفق معايير مهنية و موضوعية , فانه ينبغي الاعتراف على أن هذين الشرطين مجحفين في حق أغلب زملائنا القضاة الذين يريدون الولوج للمهنة حبا فيها و من أجل الرفع من مستواها و التقيد بأعرافها و تقاليدها . و لذلك أظن أن التركيز لا يجب أن يتركز حول مدى إقرار هذين الشرطين أم لا  لولوج القاضي لمهنة المحاماة ، و لكن يجب أن يكون أساسا من خلال وضع معايير أخلاقية لولوج قضاة أكثر شفافية و أكثر مصداقية ، و محاربة و منع عناصر قضائية مشبوهة أو تم عزلها أو إحالتها على التقاعد التلقائي لإدانتها لقيامها بأفعال مشينة ، و بالتالي فالهاجس الأخلاقي أكثر أهمية من الهاجس الزمني أو العلمي الذي يبقى ثانويا مادامت التجربة و الحنكة القضائية لا علاقة لها بالزمن أو الشهادة العلمية .

و من بين ما اقترح في هذا الصدد إدراج شرط أن أي قاضي تم عزله أو أحيل على التقاعد التلقائي لسبب تأديبي سواء تعلق بالمروءة أو الشرف أو حسن السلوك ، يمنع منها كليا من ولوج مهنة المحاماة الشريفة العفيفة التي لا تقبل إلا من هو خير و ذو سمعة حسنة . و سبب هذا الموقف يعود بالأساس إلى انه رغم أن نص المادة 18 من قانون المحاماة يؤكد صراحة على انه يمنع قبول القضاة في حالة إحالتهم على التقاعد لسبب تأديبي , فانه في واقع الأمر لوحظ على أن الكثير من القضاة المعزولين و المحالين على التقاعد التلقائي لسبب تأديبي , قد ولجوا إلى المحاماة من دون أي اعتبار لهذا الشرط الواضح المانع و المقيد , الوارد في الفقرة الأولى و الثانية من المادة 18 من قانون المهنة . و في هذا الصدد اذكر بقرار  لمحكمة النقض , وهو فقط قرار من ضمن عدة قرارات خرقت مقتضيات المادة 18 المشار إليها أعلاه , رغم وضوح مقتضياته , و مما جاء في هذا القرار المؤرخ في 09 أكتوبر 2014  ما يلي ” … حيث إن محكمة الاستئناف لما ألغت قرار مجلس هيئة المحامين بتطوان و قضت بتسجيل المطلوب في النقض بجدول الهيئة المذكورة , استنادا إلى أن المخالفة المتمثلة في عجز المعني بالأمر عن تقديم تبرير مقنع لمصدر أمواله و ممتلكاته , و التي أحيل من اجلها على التقاعد التلقائي لا تندرج ضمن ما هو منصوص عليه في الفقرة الخامسة من المادة الخامسة من القانون المنظم للمحاماة المحتج بها , التي تجعل من الإدانة شرطا كافيا لرفض طلب التسجيل , و إنما ربطت ذلك بارتكاب أفعال منافية للشرف و المروءة و حسن السلوك , وهو ما ينطبق على تلك المخالفة , و لا يشكل مبررا لرفض طلب التسجيل , و تكون قد بنت قضاءها على أساس من القانون و عللت قرارها تعليلا كافيا . و ما بالوسيلة على غير أساس ” . و بغض النظر عن مناقشة هذا التوجه القضائي الذي يبدو على انه لا يستند على أساس قانوني سليم , لتاسيسه  على المادة الخامسة من قانون المهنة المتعلقة بشروط ولوج المترشحين الحاصلين على شهادة الأهلية و غير المعفيين من التمرين , و التي لا تتعلق بتاتا بالمادة 18 من نفس القانون المتعلقة بالمعفيين من شهادة الأهلية و من التمرين و من بينهم زملائنا السادة القضاة , و التي كانت واضحة في مقتضياتها من خلال التأكيد على عدم قبول أي طلب للقضاة في حالة إحالتهم على التقاعد التلقائي لسبب تأديبي , من دون تفصيل و من دون تقييد ذلك بمخالفة المروءة أو الشرف أو حسن السلوك , التي يفترض أن المجلس التأديبي تحقق من وجود عناصرها التكوينية قبل أن يتخذ قراره بالإحالة على التقاعد التلقائي في مواجهة القاضي المخالف . وهو ما يبين أن الإشكالية الأساسية في موضوع ولوج القضاة للمحاماة , ليس هو المعيار الزمني سواء تم تحديده في 45 سنة أو 55 سنة , و ليس في المعيار العلمي سواء تم تحديده في شهادة الماستر أو شهادة الدكتوراه , و لكن أساس و عمق الإشكالية هو الهاجس الأخلاقي , و ضرورة غلبة هذا الجانب في من يلج إلينا من الضفة الأخرى , و أن لا يتم قبول إلا من ظل مساره المهني و الوظيفي مضيئا و بدون عثرات أو شبهات , و لنا في الكثير من رجال و نساء القضاء الذي استقالوا أو تقاعدوا من القضاء وولجوا لمهنة المحاماة نقاط مضيئة أضافت الكثير لمهنتنا العتيدة على المستوى المهني و الحقوقي , و لنا أيضا في الكثير من الحالات الأخرى من الوافدين نقاط سوداء جاءت في الغالب بعد عزلها أو إحالتها على التقاعد التلقائي لأسباب تأديبية , و نعلم جميعا الممارسات المشبوهة و غير المشروعة التي يقوم بها البعض منهم , و نعلم أيضا حالة الجنون و العته و الأمراض النفسية الذي تعتري البعض الآخر منهم .

لذلك , ينبغي عدم الانجرار وراء نقاش لا يكتسي أهمية كبيرة بالمقارنة مع ما ينبغي أن يكون من إصلاحات جوهرية هي أساس النهوض بمهنة المحاماة , و ينبغي أيضا عدم الانجرار تحت تأثير الحساسية المفرطة التي تكونت خطأ بين المحامين و القضاة , من اجل تكوين عداوات مجانية مع زملائنا القضاة الذي يبقى حقهم راسخا لولوج مهنة المحاماة بشرط احترام المعايير الأخلاقية في هذا الولوج . و لذلك فالمعركة الأساسية للمحامين قاعدة و مؤسسات هي اكبر من مجرد شنآن مع القضاة في أحقيتهم في الولوج أم لا  و في شروط هذا الولوج , و لكن المعركة الحقيقية هي المتعلقة أساسا بتفعيل و تنزيل توصيات مؤتمر فاس , و باقي المؤتمرات و المناظرات التي عبرت عن التوجهات و القناعات العامة لقاعدة المحامين , و أيضا ينبغي التركيز على أن تكون المقاربة التشاركية هي أساس التعاقد بين المؤسسات المهنية و الجمعيات العمومية , و تكون هي أساس اتخاذ جميع القرارات ذات الطابع القانوني و الإداري و المالي و الاجتماعي , لان رجال و نساء الدفاع نخبة من طينة خاصة , و تستحق ان يتم التعامل معها على أساس أنها فاعلة و ليس مفعول بها في كل ما يتعلق بالقرارات التي ترهن المصير المهني المشترك لجميع المحامين .

مشاركة