بقلم…عبد الكبير الحراب
في خطوة مفاجئة وحاسمة، أعلن مهرجان “كان” السينمائي في دورته الـ78، التي انطلقت اليوم الثلاثاء، عن قرار يعبّر عن وعي ثقافي ومسؤولية أخلاقية نادرة في هذا الزمن: منع العري الكامل على السجادة الحمراء، امتثالًا لقوانين اللياقة العامة، واحترامًا للذوق الفرنسي العام.
فرنسا، التي طالما تغنّى الغرب بحريتها المطلقة، لم تجد غضاضة في تقييد بعض مظاهر “التحرر المفرط” حين تعارضت مع السياق الاجتماعي والقانوني. قرار مهرجان “كان” ليس فقط تنظيميًا، بل يحمل رسالة واضحة: الحداثة لا تعني الفوضى، والانفتاح لا يلغي الخصوصية.
وفي المقابل، حين نُدير بصرنا نحو الجنوب، حيث تُقام على أرض المغرب واحدة من أبرز التظاهرات الفنية الدولية، مهرجان مراكش الدولي للفيلم، يحق لنا أن نتساءل: أين نحن من هذا النضج الثقافي؟
كم من مرة تحولت السجادة الحمراء بمراكش إلى مساحة استعراضية لا تراعي لا هوية المكان ولا خصوصية أهله؟ وكم من مرة اكتفى المنظمون بالصمت أمام مظاهر استفزازية أُلبست لباس “الانفتاح”، بينما هي في الواقع انفصال واضح عن نبض المغاربة وقيمهم؟
إن الفارق بين “كان” و”مراكش” ليس في عدد النجوم ولا في جودة الأفلام، بل في القدرة على اتخاذ قرار سيادي يحترم المجتمع قبل إرضاء الضيوف.
فرنسا لم تخف من ردود فعل النخب الليبرالية أو من انتقادات الصحافة، لأنها أدركت أن الحزم في احترام القوانين والقيم يضيف للمهرجان لا ينتقص منه.
فمتى نمتلك نحن شجاعة القرار؟
متى نكفّ عن لعب دور التابع؟ ومتى نؤمن بأن العالم لا يحترم من يُفرّط في ذاته، بل من يدافع عنها بقناعة وذكاء؟
إن مهرجان مراكش، بكل ما يحمله من رمزية وقوة ناعمة، لا يمكن أن يُختزل في مجرد صور تتداولها المواقع والصفحات، بل يجب أن يُجسّد فعليًا الهوية الثقافية المغربية، تلك التي تؤمن بالجمال دون ابتذال، وبالحرية دون انفلات.
ختامًا، ليس العيب في أن نقلّد، بل في أن نقلّد دون وعي. ومتى وعينا، سنجد أن الخطوة الجريئة لا تنتظر إذنًا خارجيًا، بل قرارًا ينبع من عمق احترامنا لأنفسنا.