الرئيسية ثقافة وفنون حوار مفتوح مع الشاعر الكبير الدكتور (عبد الحميد محمود) وذكريات لا تنسي مع الملحن الكبير الراحل (محمد الموجي)

حوار مفتوح مع الشاعر الكبير الدكتور (عبد الحميد محمود) وذكريات لا تنسي مع الملحن الكبير الراحل (محمد الموجي)

IMG 20190125 WA0029
كتبه كتب في 25 يناير، 2019 - 5:34 مساءً

حاوره: الكاتب (أحمد بسيوني)

 

س: متى كان أول لقاء بينك وبين الملحن الكبير محمد الموجي؟
ج: كنت أجلس في شيراتون الجزيرة على النيل سنة 1984م أنا وثلاثة إعلاميِّين: فاروق شوشة، وإبراهيم عيسى، ومحمد أبو سنة، كنا نجلس ونتحدث كمجموعة شعراء أصدقاء ودخل محمد الموجي الفندق في ذات الوقت، لم تكن ثمة علاقة بيني وبينه، ولكن كنت أعلم مَن هو محمد الموجي، وعندما رآه أصدقائي فرحوا جدًّا واستدعوه للجلوس معنا. هو رجل بسيط جدًّا، مهذَّب جدًّا، ثقيل جدًّا، جلسنا، وخلال الجلوس استمع إلى أشعار الثلاثة، واسمح لي أن أقول لك: إنهم “أوجعوه شعرًا”؛ لكي يُلَحِّن لهم إحدى قصائدهم، كل واحد ألقى عليه حوالي أربع قصائد، وأنا لم أقل شيئًا، فقط عرَّفوه بي، استشعرت أنه يسمع ولا يهتم لما يُقال، ثم طلب مِنِّي أن أُسمِعه إحدى قصائدي؛ فقلت له: قصائدي إمَّا سياسية أو اجتماعية، وليست لكي تُغنَّي، قال لي: ومن قال لك أنِّى أريد سماعها لكي تُغنَّي، أنا أريد أن أسمع شعرًا فقط. أسمعته قصيدة بعنوان: “أربعة أقنعة لوجه عربي” قصيدة سياسة لا تُغَنَّي، ثم قال لي بعد أن فرغت منها: مَن كتب هذه القصيدة على هذه الموسيقى هو الذي سيكتب لي القصيدة التي سوف أغنِّيها بعد عشرة أيام في المغرب في أعياد العرش. انصرف الشعراء الثلاثة من الجلسة بعد سماع هذا الكلام وظَلَلْت جالسًا أنا والموجي فقط.
كان الفرق بيني وبين الموجي في العمر حوالي خمسة وعشرين عامًا، هذا الرجل كان صاحب حكمة، وفي لحظة من اللحظات استفزَّني – أقصد: استفزَّ فيَّ الشعر- فألقيت عليه قصيدة تقول:
النور موصولُ
والسعد مأمولُ
والشوق يدعونا لروضة يثربِ
فالنورُ نورُ الحبِّ
من عند النبي
قال لي: جميلة، ولكن الغناء ليس هكذا. قلت له: ماذا يكون؟ فقالها هو مع بعض التعديلات؛ فقلت له: أنا لم أَقُلْها هكذا، قال لي: لماذا؟ أجبته قائلًا: لو غَنَّيْتَها بطريقتك؛ فما الفرق بيني وبين من غَنَّيْتَ لهم من قبل، أنا كتبتها، وأنت حُرٌّ في رأيك، افعل ما تشاء. كنت أُحَدثه وأنا واثق من شِعري جدًّا، وفي نفس الوقت لم أكن مهتمًّا، صَمَتَ قليلًا، وفي حوالي الساعة الرابعة والنصف صباحًا ومن ذكائه عمل تنوينًا للقصيدة فقط، ولم يُعَدِّل شيئًا لكي يرضيَني ويُرضِي نفسه في نفس الوقت. كان واعيًا جدًّا للغة العربية بجانب ثقته في أن مَن أمامه شاعر، كان يحترم جدًّا الفنان الحقيقي.
لحن “النور موصول” وسافرنا سويًّا إلى المغرب، وقامت بغنائها الفنانة عزيزة جلال، احتفوا به وبي في المغرب احتفاءً غير عادي. قال له الحريزي مستشار الملك الحسن الثاني في ذلك الوقت “أنت يا موجي بروفيسيونال” يقصد أنه محترف كبير في هذا اللحن.
س : حدثني عن العلامات الفنية بينك وبين محمد الموجي؟
ج : كان يوجد علامات فنية كثيرة بيني وبين الموجي أولى هذه العلامات كانت قصيدة ” النور موصول ” ولكن العلامة التي قال عنها الموجي أنها تاريخية هي” الحضرة الشريفة ” وهو عمل مكون من خمسة وعشرين قصيدة، ولدت الفكرة في الإسكندرية في مكتب صابر مصطفي مدير إذاعة الإسكندرية في ذلك الوقت في الثمانينات، دعوة الموجي لزيارة الإسكندرية وكانت أول زيارة له والتقينا في الإذاعة بصابر مصطفي الذي بادر الموجي بسؤال ” يا أستاذ عايزين نتشرف بعمل ديني لإذاعة الإسكندرية ” فقال له الموجي، أنا أتمنى ولكن لم أجد الكلمات المناسبة لكي الحنها، فتدخلت في الحديث وقلت للموجي ايه رأيك في قصيدة تبدأ ب ” الله الله الله الله الله الله الله الله ” فقال لي هل ممكن تغني ؟ قلت له نعم وكانت من اهم القصائد التي تغني بها الموجي، كما قدمت للإسكندرية حوالي عشر قصائد من الحان الموجي وكثير من الموشحات مازالوا يذاعوا في إذاعة الإسكندرية حتي الان ؛ ومن الطرائف عندما استمع محمد عبد الوهاب إلى ” الحضرة الشريفة ” طلب من الموجي مقابلتي ولكن لم يبلغني الموجي بذلك إلا بعد وفاة عبد الوهاب، فقلت له لماذا لم تبلغني قبل وفاته؟ قال لي” هو أنا حمار لو كنت قولت لك كنت بعدت عني أنت لا تعرف عبد الوهاب ” اعتقد وقتها لو كان لحن لي عبد الوهاب كان تغير أشياء كثيرة في حياتي.
س: تعرَّفتَ على مَن بعد ذلك من الفنانين؟
ج: تعرفت بعد ذلك على الفنانة المغربية سميرة سعيد، وكتبْتُ لها قصيدة “عيد الندَى” التي تغنَّت بها في احتفالات المغرب ببراعة واتقان شديد، ثم تعرَّفت بعد ذلك على الفنانة عفاف راضي، وطلبَتْ مِنِّي أن أكتب لها أغنية في احتفالات أكتوبر، وهي إنسانة مهذبة جدًّا ورقيقة جدًّا، وكنت أُعَلِّمُها اللغة العربية؛ لكي تستطيع أن تغني الأغنية، فكتبت لها كلمات أخرى على لحن “عيد الندى”، سأَلَتْها سامية صادق – رئيس التليفزيون- في ذلك الوقت: هتغني إيه في حفلة أكتوبر هذا العام يا عفاف؟ قالت لها: أغنية “عيد الندى”، قالت لها سامية صادق لمن؟ أجابتها عفاف: للشاعر عبد الحميد محمود، قالت لها لا أعرفه. فردَّت عفاف: أنتِ لا تعرفينه، ولكن أنا أعرفه. كانت سامية صادق متذوقة جدًّا للفن، وبالفعل غنَّت عفاف راضي “عيد الندى” في احتفالات أكتوبر، ولاقت إعجابًا كبيرًا من الجمهور. في ذلك الوقت كان يعرض برنامجًا في التلفزيون المصري اسمه “اخترنا لك”، تقديم الإعلامية (فريال صالح)، إخراج الإعلامي (وفيق حبيب)، وكان هذا البرنامج مخصصًا للأغاني الأجنبية فقط، ولكن لتفرد قصيدة “عيد الندى” وللجديد فيها تم عرضها المفاجئة ان الأستاذ موسي صبري كان رئيس تحرير مجلة ” آخر ساعة ” كتب وقتها إن هذا الشاعر الذي نستمع إليه لأول مره اخترق موسيقى الشعر العربي بموسيقى من عنده وكيف توافق اللحن والكلمات .
س: منذ عامين أَحْيَت الفنانة المغربية سميرة سعيد حفل ختام مهرجان الإسكندرية الدولي للأغنية؛ هل التقيت بها؟
ج: للأسف لم أتقابل معها، ولا أحد أبلغني بوجودها في الإسكندرية، ولم تُوَجَّه لي الدعوة لحضور المهرجان، ولكن دار بيني وبينها اتصال هاتفي منذ فترة طويلة، وقالت لي: “أنت فين يا حبيبي”، واتفقنا على موعد، ولكن لم يحدث بسبب انشغالي ببعض الأعمال الخاصة بالطب، ولكن لو كنت دُعِيتُ لحضور المهرجان من قِبَلِ المهندس (عوف همام) رئيس المهرجان؛ لكنت تقابلت مع سميرة، ولَكَان هذا اللقاء غيرَ عادي؛ لأن قصيدة “عيد الندى” التي تغنَّت بها سميرة ما زالت تُعرَض حتى الآن في تليفزيون وإذاعة المغرب.
س: محمد الموجي توفي ولم يمتلك شيئًا من الأموال بالرغم من تاريخه الفني الكبير؛ فما هي الأسباب؟
ج: الموجي كان دائمًا مفلس، كان يأخذ من الإذاعة 600 جنيه مقابل اللحن، وأنا 400 جنيه مقابل القصيدة، الموجي كانت فلوسه دائمًا مصروفة على الفرقة، في يوم من الأيام كان يغني لي قصيدة بعنوان آهٍ مما أجد”، وهي آخر ما لحَّن لي الموجي، كانت قصيدة صعبة جدًّا في تلحينها، وكانت القصيدة قد نشرت في جريدة الأهرام عند الراحل توفيق الحكيم، كانت بها الدال الساكنة وهي صعبة جدًّا في التلحين، وصعبة جدًّا في الغناء، وطلب مِنِّي أن أُسمعه القصيدة بصوتي، وسألته لماذا؟ قال لي: أريد أن أسمع إحساسك فيها، فقلت جزءًا منها:
آهٍ مما أجد
شفَّني ما أجد يا اشتياقي ابتعد
يا فؤادي اتئِد
أين وعدًا وعد
هل جفى؟! أم زهد؟!
تارك للسهر دمعتي وابتعد
ثم قالها من بعدي “عظمة”، سألني من يُغنِّي هذه القصيدة؟ قلت له ممكن عفاف راضي، ثم عرضت عليه اسم فنان آخر لا داعٍ لِذِكر اسمه؛ لأنه حبيبي، وهو الآن فنان مشهور، هذا الكلام كان عام 1986م، فقال لي الموجي لو دفع 3000 جنيه يأخذها، فعرضت على المطرب الأغنية، وقال لي: أغنيها فورًا، والتقينا بالموجي في مكتبه، ووضع الفنان مقابل الأغنية على المكتب، فقال له الموجي: قُل معي القصيدة. كان الموجي يعزف على العود بأصبعه لا بالريشة، وعندما يعزف الموجي بأصبعه العود يقول الكلام بدقة، دقيقتين وتوقف الموجي عن العزف بعد سماع صوت الفنان، وقال له: سوف أخذ 5000 جنيه، وقالها بعنف رغم أن الموجي كان يتَّسم بالرقة، قال له الفنان: لكن الدكتور عبد الحميد قال لي 3000 جنيه، قال له: نعم، ولكن أنا بطلب 5000 جنيه يعني معناها “مع السلامة”، ولم يستوعب الموجي صوت الفنان الذي أصبح من المشاهير بعد ذلك، قلت للموجي: لماذا فعلت ذلك؟! قال لي: “مش عارف يركب اللحن”، وكان في هذا اليوم لا يمكلك ثمن العشاء، كان الفن عند الموجي أهم من أي شيء في الدنيا، ولم يأخذ القصيدة أحد، وبقيت على صوته حتى توفاه الله.
س: مَن المطربون الذين تغنوا بقصائدك؟
ج: محمد الموجي طبعًا، وعفاف راضي، ومحمد ثروت، وسميرة سعيد، وعزيزة جلال، ونادية مصطفى، وأميرة سالم التي كانت زوجة الموجي في ذلك الوقت، وسوزان عطية، وهاني شاكر، وعلي الحجار، وأسامة رؤوف، ونادر زغلول، والمطربة السعودية عتاب غنَّت لي أغنية للإسكندرية باللهجة العامية من ألحان الملحن السكندري عادل الشربيني.
س: هل كان لك أعمال وطنية؟
ج: نعم، عملت نشيدًا اسمه “نشيد الجنود”، وكان لا يرتبط باسم أي زعيم من زعماء مصر، كان للوطن، ويدهشني عدم الاهتمام به وعدم إذاعته! كان الفنان سمير الإسكندراني يرغب في أن يغنيه، ولكن الموجي رفض.
س: لماذا توقفت عن الكتابة بعد وفاة الموجي؟
ج: أنا توقفت عن الكتابة قبل وفاة الموجي عام 1988م؛ والسبب يرجع لأسباب قوية مرَّت بي؛ توفي والدي، وتوفيت زوجتي وتركت لي ولدان، وكانت والدتي تتولي تربيتهما، وفي يوم من الأيام اتصلت بي والدتي وقالت لي: الأولاد كبرت يا عبد الحميد ولا أستطيع التغلب عليهم، فتركت القاهرة ورجعت إلى الإسكندرية، وفتحت عيادة متخصصة في العلاج بالتغذية، وكانت أول عيادة في مصر تعالج بالتغذية؛ انزعج الموجي جدًّا من تَركي القاهرة في ذلك الوقت وقال لي: “يا مجنون! لا تترك القاهرة في هذا الوقت! أنت أصبحت معروفًا”، فكان أمامي أحد خيارين؛ إمَّا أن أظل في الإسكندرية من أجل أولادي وأمي، وإمَّا أن أرجع إلى القاهرة وأعيش حياة المشاهير؛ فاخترت الحفاظ على أولادي.
س: كيف ترى الفن من وجهة نظرك هذه الأيام؟
ج: الفن هذه الأيام ليس بحالة جيدة؛ الفن دائمًا فيه جماعية؛ “ملحن، مؤلف، مغنٍّ”، للأسف الموجودون في الساحة حاليًا ثقافتهم ضئيلة جدًّا، فأنا أسمع أصواتًا مشهورة – بدون ذكر أسماء- لا توجد لديها ثقافة اللحن والكلمة والموسيقى.
س: هل قدمت للإذاعة أعمالًا درامية؟
ج: قمت بكتابة مسلسل “قلوب العاشقين”، مكون من 30 حلقة؛ أُذِيع في إذاعة القاهرة في رمضان في أحد الأعوام الماضية؛ في كل حلقة كنت أعرض قصة من حياة شاعر صوفي معارض شعر شعراء الصوفية مثل جلال الدين الرومي، والغزالي، وغيرهما، وهم أصحاب أشعار عقلانية، وكنت أحوِّلها إلى دراما، كان مسلسلًا مهمًّا جدًّا، كان يلتف حوله الناس، وغني فيه الموجي 30 قصيدة.
س: ما آخر أعمالك الفنية؟
ج: أوبريت بعنوان “ضيف في رحاب النبي” و ” دعوة وتلبية ” يذاعوا هذه الأيام في إذاعة صوت العرب من ألحان محمد الموجي، وأستعد لإصدار ديوان جديد بعنوان “موسيقي من الجن”.
س: ما رأيك فيما يُغنَّي الآن ويطلق عليها أغاني المهرجانات؟
ج: عندما تكون الثقافة حرة؛ يكون هذا اللون موجودًا، ولكن مَن يسمع هذا اللون فِئة معينة، لكن ليسوا هم كل المجتمع، في الستينيات والسبعينيات كان يُحكم على كلمات الأشعار العقاد وصالح جودت، كانوا كبارًا وعادلين في الحكم على ما يُقدَّم، أمَّا الآن؛ أصبحت مجاملات ومصالح شخصية.
س: ما رأيك في الشعراء والشاعرات والنقاد الموجودين في الساحة الثقافية هذه الأيام؟
ج: للأسف الشديد الشعر أصبح مهنة مَن لا مهنة له، إلا بعض الشعراء والنقاد ومنهم الناقد الدكتور فتوح أحمد.

مشاركة