في مداخلة علمية وحقوقية هامة، قدّم الدكتور عبد الكريم الشافعي، الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالقنيطرة، قراءة قانونية دقيقة للتحديات والرهانات التي يطرحها الاستعمال الإجرامي لتقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك خلال مشاركته في فعاليات النسخة السادسة للأبواب المفتوحة للأمن الوطني المنعقدة بمدينة الجديدة.

المداخلة التي حملت عنوان: “الممارسة القانونية في مجال زجر الاستعمال الإجرامي لتقنيات الذكاء الاصطناعي”، تطرقت في مستهلها إلى الإطار المفاهيمي للذكاء الاصطناعي، مبرزة الفارق بينه وبين الأتمتة، مشددة على أن الذكاء الاصطناعي يتميز بالقدرة على التعلّم الذاتي والتكيّف، مما يجعله مفيدا للإنسانية في مختلف القطاعات، من الصحة إلى القضاء، مرورا بالأمن والتعليم.
غير أن هذه المنافع، حسب الشافعي، لا تحجب الوجه المظلم لتقنيات الذكاء الاصطناعي، المتمثل في ما بات يعرف بـ”الاستعمال الإجرامي”، والذي يشمل تهديد الخصوصية عبر تقنيات التعرف على الوجوه، واستعمال تقنيات التزييف العميق (Deepfake) في الابتزاز والتضليل، وكذا اختراق الأنظمة الحساسة، بل واستعمال الذكاء الاصطناعي في تطوير أسلحة مستقلة قد تشتغل بدون رقابة بشرية.

وأوضح المسؤول القضائي أن غياب منظومة قانونية متكاملة تؤطر هذه التحديات الجديدة، يُعد من أبرز الإشكالات التي تواجهها الدول، بما فيها المغرب، لاسيما أمام صعوبة تحديد المسؤوليات الجنائية الناتجة عن أعمال الذكاء الاصطناعي، وتعدد المتدخلين فيها.
وأشار الشافعي إلى عدد من التجارب الدولية في هذا المجال، من توصيات اليونسكو، إلى القوانين المعتمدة داخل الاتحاد الأوروبي، ومبادرات الأمم المتحدة ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، والتي تسعى إلى تأمين استعمال مسؤول وآمن لهذه التقنيات المتقدمة.
وعلى الصعيد الوطني، استعرض القوانين ذات الصلة، مثل قانون حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، وقانون الأمن السيبراني، مؤكدا أنها تظل غير كافية لمواجهة التحديات المتسارعة التي تفرضها ثورة الذكاء الاصطناعي.

ودعا الوكيل العام للملك، في ختام مداخلته، إلى التفكير الجدي في وضع إطار تشريعي وطني شامل ينظم استعمال الذكاء الاصطناعي بشكل يضمن حماية الحقوق والحريات، ويراعي خصوصيات الأمن الرقمي والقضائي، مشددا على أهمية التكوين المستمر للعنصر البشري، وتعزيز التعاون الدولي من أجل التصدي للاستعمالات الإجرامية وغير الأخلاقية لهذه التقنية، وإنشاء هيئة وطنية لضبط مشاريع الذكاء الاصطناعي وتوجيه استخدامها بما ينسجم مع السيادة الرقمية للمملكة.