الرئيسية آراء وأقلام الخطاب الملكي ركيزة الثقة المجتمعية والانتماء والهوية

الخطاب الملكي ركيزة الثقة المجتمعية والانتماء والهوية

DFB203AD 83A7 4DBF A804 806AA12B7937
كتبه كتب في 30 يوليو، 2023 - 1:42 صباحًا

إن موضوع القيم كان ولا يزال يشكل اهتمام الكثير من الباحثين والدارسين، ثم إن من اللبنات الأساسية في قيام أي مجتمع بغض النظر عن دينه وعرقه ولسانه ولونه؛ منظومة القيم والمبادئ العليا الحاكمة لهذا المجتمع، فمنظومة القيم تلعب دورا رئيسيا في تنظيم وبناء المجتمع بشكل عام والأسرة بشكل خاص.

غالبا ما تعرف المجتمعات خاصة المعاصرة حالة من الارتباك بعد فترة الأزمات، لتعرف مع ذلك اختلالا كبيرا في منظومة القيم والتي تؤثر على التفاعلات داخل المجتمع، الشيء الذي يتطلب تأطير سلوكيات الأفراد في مختلف مجالات الحياة.

من هذا المنطلق نجد أن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش المجيد جاء في مضامينه: 

” شعبي العزيز، في ظل ما يعرفه العالم، من اهتزاز في منظومة القيم والمرجعيات، وتداخل العديد من الأزمات، فإننا في أشد الحاجة إلى التشبث بالجدية”

وإن تساءلنا عن دور منظومة القيم والمرجعيات المجتمعية فإننا نجد أن أولها تحقيق الاستقرار ثم تدعيم الهوية الوطنية وترسيخ الشعور بالانتماء، لذلك لا يتصور وجود مجتمع بدون وجود منظومة من القيم تحكم وتوجه وتضبط العام والخاص في المجتمع، وتعد القيم الإنسانية مرجعا وموجها لسلوك الإنسان، حيث تتحدد اتجاهاته وميوله وأنشطته المختلفة داخل مجتمعه من خلال قيم ذلك المجتمع.

وقد ارتبط مفهوم القيمة لغويا بمعنى ثمن – قدر، وقد استخدمت لمعرفة قيمة الشيء فقيمة الشيء قدره، وقيمة المتاع ثمنه، والقيمة ثمن الشيء بالتقويم وفي المعجم الوسيط قيم الشيء تقييما أي قدره، وقد استخدمت القيمة كذلك بمعنى التعديل، وإذا نظرنا إلى المعنى الوظيفي لها فقد نص القاموس التربوي على أن القيمة هي صفة ذات أهمية لاعتبارات نفسية، أو اجتماعية، أو أخلاقية وهي بوجه عام موجهات للسلوك والعمل.

وإن بحثنا في فلسفة المصطلح؛ نجد أن النظرية المثالية التي اعتمدتها الفلسفة الأفلاطونية، تؤكد على أن القيم مطلقة وكاملةوخالدة غير قابلة للتغيير أو الزوال، ثم إن القيم مطلقة وثابتة،فالخير والجمال ليسا من صنع الإنسان بل هما جزء من تركيبالكون، والخير هو الانسجام والانتظام، والتكامل. ثانيا الفلسفةالواقعية تؤكد على أن القيم هي قيم حقيقية موجودة في الإطارالمادي ترتكز على إعمال العقل والتفكير المنطقي؛ وكما توجه إليهكانط أن القيم الاجتماعية ليست إلا محاكاة لتصورات عقلية مثلىيتم إسقاطها على الواقع. وفي الفلسفة الإسلامية تؤكد على أنهاقيم مستمرة وتمتلك خاصية التكيف مع مستجدات العصر دونفقدان جوهرها، كما أنها قيم يمتثل لها الفرد بوازع ديني إيمانيوليس برقابة اجتماعية أو قانونية.

هنا نجد أن الخطاب الملكي ركز على:

التمسك بالقيم الدينية والوطنية، وبشعارنا الخالد: الله -الوطن-الملك؛ ثم التشبث بالوحدة الوطنية والترابية للبلاد؛ ثم صيانةالروابط الاجتماعية والعائلية من أجل مجتمع متضامن ومتماسك؛ ثم مواصلة مسارنا التنموي، من أجل تحقيق التقدم الاقتصادي،وتعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية.

كل هذا أساسه كون المغرب أمة تضرب جذورها في أعماقالتاريخ، يتصف أفرادها بخصال الصدق والتفاؤل، وبالتسامحوالانفتاح، والاعتزاز بتقاليدهم العريقة، وبالهوية الوطنية الموحدة، ثم الجدية والتفاني في العمل؛ ومن خلال هذا ركز الخطاب الملكي على مجموع السلوكيات التي تؤطر منظومة القيم التي تبني المجتمع المغربي مرتكزا أساسا على الجدية كمنهج متكامل من خلاله وصل المسار التنموي للبلاد إلى درجة من التقدم والنضج، وإنجازات كبيرة، وغير مسبوقة تبرز صور حب الوطن، والوحدةوالتلاحم، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، وإشاعة قيمالحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص.

ليس من السهل تعريف القيم، والتعاطي مع المفهوم يتسمبصعوبة منهجية، راجع إلى تعدد الآراء واختلاف المفهومات، وأيضا التطور الكبير حسب الخلفيات النظرية والثقافية والإيديولوجية، ولكن وإن ربطناه بالاستقرار المجتمعي والسياسي نجد دور البناء المؤسساتي، وتحول القيم إلى تقاليد وأعراف كقواعد تضبط العام والخاص، ثم تشكل الضمير الفردي من خلال التنشئة الاجتماعية. 

إن منظومة القيم والمبادئ التي يؤمن بها الفرد ويعتنقها تلعب دورابارزا في ترشيد قراراته، وانتقاء اختياراته، وتحصين نفسه منالمغريات والتحديات، وتنظيم سلوكياته، وإدراك العالم من حوله،وتحديد موقعه ودوره في هذا العالم؛ فمجموعة من الأمم من حولناتنهار أو على شفا الانهيار بسبب ضعف منظومة القيم فيهاواختلالها؛ وهو ما جاء به خطاب العرش لهذه السنة معززا الثقة المجتمعية والانتماء والشعور بالهوية.

15339621 7f61 4745 b4e9 d3e3596c072d

يوسف الحفيرة 

طالب باحث بســلك الدكتـوراه جامعة محمد الخامس

مشاركة