الرئيسية غير مصنف الإفراج المقيد بشروط آلية قانونية للإصلاح والتأهيل

الإفراج المقيد بشروط آلية قانونية للإصلاح والتأهيل

ea18b66b b072 4933 87f4 165bd4031eff
كتبه كتب في 7 مايو، 2025 - 5:46 مساءً

ذ/ يوسف عبد القاوي

محام، عضو مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء

في عز الحديث عن ترشيد الاعتقال الاحتياطي وعن العقوبات البديلة عن العقوبات السالبة للحرية المتحدة في الفلسفة والغاية والوسيلة، فإن القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية كما تم تعديله الصادر بتاريخ 3 أكتوبر 2002، قد نص من جانبه من خلال الباب الرابع عن مكنة قانونية أخرى وهي الإفراج المقيد بشروط من خلال المادة 622 منها على أنه: “يمكن للمحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية من أجل جناية أو جنحة الذين برهنوا بما فيه الكفاية على تحسن سلوكهم أن يستفيدوا من الإفراج المقيد بشروط”.

والإفراج المقيد بشروط آلية قانونية تسمح بالإفراج عن بعض السجناء قبل انتهاء مدة عقوبتهم، مع إخضاعهم لعدد من الشروط والالتزامات التي يجب عليهم الوفاء بها خلال فترة الإفراج.

وتكمن فلسفة الإفراج المقيد بشروط في هاجس الإصلاح والتأهيل بحيث يهدف الإفراج المقيد بشروط إلى تشجيع السجناء على إظهار حسن السلوك والاستعداد للاندماج مجددا في المجتمع كمواطنين صالحين وهو بذلك يعتبر بمثابة مكافأة للسجين الذي يبدي تجاوبا مع برامج الإصلاح والتأهيل داخل المؤسسة السجنية.

– مزايا وسلبيات إعمال الإفراج المقيد بشروط: 

كما يستهدف بدوره تخفيف الاكتظاظ في السجون بحيث يساهم في تخفيف الضغط على المؤسسات السجنية وتقليل أعداد النزلاء، مما يحسن الظروف المعيشية داخل السجون ويقلل من التكاليف.

كما يشجع الإفراج المقيد بشروط العدالة التصالحية لأنه يمكن أن يكون جزءا من مسار للعدالة التصالحية، حيث يتيح للمفرج عنه فرصة لإصلاح الأضرار التي سببها وتعويض الضحايا، مما يعزز الشعور بالعدالة في المجتمع.

ويتيح الإفراج المقيد بشروط فترة انتقالية للمفرج عنه للتكيف تدريجيا مع الحياة خارج السجن تحت إشراف ورقابة، مما يزيد من فرص نجاح إعادة إدماجه ويقلل من خطر العودة إلى الجريمة.

وتكمن أهمية الإفراج المقيد بشروط في تحفيزه بقوة للسجناء على الانخراط في برامج الإصلاح وإظهار سلوك جيد أملاً في الحصول على الإفراج المبكر، كما يساعد على إعادة إدماج السجناء في المجتمع بشكل منظم ومراقب، مما يقلل من احتمالية ارتكابهم جرائم جديدة ويخفف من الأعباء المالية والإدارية على الدولة من خلال تقليل أعداد السجناء.

وعلى المدى الطويل، يمكن أن يساهم في تعزيز الأمن الاجتماعي من خلال إعادة تأهيل المجرمين وتقليل معدلات العودة إلى الإجرام، ومن آثاره الإيجابية، تقليل الجريمة من خلال إعادة تأهيل السجناء ودمجهم في المجتمع، بحيث يقل احتمال عودتهم إلى ارتكاب الجرائم، مما يعزز الأمن، فضلا عن زيادة الثقة في النظام القضائي عندما يرى المجتمع أن النظام القضائي قادر على إصلاح المجرمين وإعادتهم أعضاء فاعلين، تزداد الثقة في هذا النظام وتتحسن صورة السجون ممايساهم في تغيير صورتها النمطية السلبية المختزلة للمؤسسات السجنية في حدود أماكن للعقاب لتتحول إلىمؤسسات إصلاحية وتأهيلية.

لكن ودون شك يمكن للإفراج المقيد بشروط أن تكون له آثار سلبية محتملة لعل أقلها الشعور بعدم الأمان فقد يشعر بعض أفراد المجتمع بالقلق أو عدم الأمان عند الإفراج عن مجرمين، خاصة إذا كانت الجرائم التي ارتكبوها خطير، وتنامي خطر العودة إلى الجريمة لأنه إذا لم يتم تطبيق شروط الإفراج بشكل فعال أو إذا لم يتلق المفرج عنهم الدعم الكافي، قد يعودون إلى ارتكاب الجرائم، مما يهدد الأمن الاجتماعي.

كما يطرح الإفراج المقيد بشروط تحدي المراقبة لأن متابعة المفرج عنهم والتحقق من التزامهم بالشروط تتطلب موارد وجهود كبيرة، وأي قصور في هذه المراقبة قد يؤدي إلى نتائج سلبية.

ولتحقيق أقصى قدر من الفوائد وتجنب الآثار السلبية، يجب أن يتم تطبيق نظام الإفراج المقيد بشروط بعناية فائقة، مع وضع معايير واضحة للاختيار، وتوفير برامج دعم وإرشاد فعالة للمفرج عنهم، وإنشاء آليات رقابة صارمة لضمان التزامهم بالشروط. كما أن التواصل الفعال مع المجتمع وتوعيته بفوائد هذا النظام وإجراءاته يمكن أن يساهم في تقليل المخاوف وتعزيز الثقة.

– شروط الاستفادة من الإفراج المقيد بشروط:

نصت المادة 622 من قانون المسطرة الجنائية على شروط الاستفادة من هذه المكنة القانونية وحصرت المستفيدين في:

1. المحكوم عليهم من أجل جنحة الذين قضوا حبسا فعليا يعادل على الأقل نصف العقوبة المحكوم بها؛      

2. لمحكوم عليهم بعقوبة جنائية أو بعقوبة جنحية من أجل وقائع وصفت بأنها جناية، أو من أجل جنحة يتجاوز الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات حبسا إذا قضوا حبسا فعليا يعادل على الأقل ثلثي العقوبة المحكوم بها.

كما نصت المادة 624 عن الأجهزة والجهة المخول لها البت في الطلبات وهي لجنة بوزارة العدل مهمتها تدارس ملفات الإفراج المقيد بشروط وإبداء الرأي في اقتراحات الإفراج وتتولى رئاستها نيابة عن وزير العدل مدير الشؤون الجنائية والعفو أو من يمثله وتتكون من مدير إدارة السجون وإعادة الإدماج أو من يمثله، وممثل عن الرئيس الأول للمجلس الأعلى وممثل عن الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى، ويتولى كتابة هذه اللجنة موظف بمديرية الشؤون الجنائية والعفو.

وتكون اقتراحات الإفراج المقيد بشروط، كما تنص على ذلك مقتضيات المادة 625 من قانون المسطرة الجنائية من إعداد رئيس المؤسسة السجنية التي يقضي بها المحكوم عليه عقوبته إما تلقائيا أو بناء على طلب من المعني بالأمر أو عائلته، وإما بتعليمات من وزير العدل أو مدير إدارة السجون، أو بمبادرة من قاضي تطبيق العقوبات طبقاً لمقتضيات المادة 155 من المرسوم رقم 2.00.485 الصادر في 3 نوفمبر 2000 تحدد بموجبه كيفية تطبيق القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.99.200 بتاريخ 25 غشت1999، ويوجه رئيس المؤسسة السجنية هذه الاقتراحات بعد تضمينها رأيه المعلل إلى مدير إدارة السجون وإعادة الإدماج الذي يطبق مقتضيات المادة 156 من المرسوم السالف الذكر ويعرضها على اللجنة المشار إليها في المادة 624 أعلاه.

وتعرض الاقتراحات الواردة على اللجنة على أنظارها على الأقل مرة في السنة، ويتم منح الاستفادة من الإفراج المقيد بشروط بقرار لوزير العدل بناء على رأي اللجنة المذكورة.

ويمكن إخضاع الإفراج المقيد لبعض الشروط واتخاذ تدابير مراقبة تكون الغاية منها تسهيل وتحقيق إعادة إدماج المستفيدين من الإفراج في المجتمع خاصة:

1. أداء المبالغ الواجبة للخزينة أو التعويضات المحكوم بها للضحايا؛

2. الالتزام بالانخراط في القوات المسلحة الملكية إذا كان الأمر يتعلق بمواطن؛

3. الطرد من تراب المملكة إذا كان الأمر يتعلق بأجنبي.

وينص القرار وجوبا على بيان إسم السجين الذي سيفرج عنه والسجن الذي يقضي فيه العقوبة وتاريخ ابتداء الإفراج الممنوح والمكان الذي يتعين على الشخص المفرج عنه أن يجعل فيه موطنه والأجل المحدد له للتوجه إلى هذا المكان وبيان السلطات التي يتعين على المفرج عنه أن يتقدم إليها بمجرد حلوله بالمكان والشروط التي يمكنه بمقتضاها إما التنقل مؤقتاً وإما تغيير محل إقامته.

وتجدر الإشارة إلى أن دور اللجنة حاسم بحيث لا يمنح الإفراج إذا أبدت اللجنة رأيا برفضه، والإفراج بطبيعته ليس نهائيا إلا إذا انتهت مدة العقوبة لأنه يمكن العدول عنه ما دام لم يصبح نهائيا إذا ثبت سوء سلوك المستفيد منه أو عدم احترامه للشروط المحددة في قرار الإفراج المقيد بشروط، كما يمكن في حالة الاستعجال للنيابة العامة أو للوالي أو للعامل أن يأمر باعتقال المفرج عنهاحتياطيا، بشرط إخبار وزير العدل داخل ثمان وأربعين ساعة الذي له أن يقرر ما إذا كان هناك ما يدعو للإبقاء على هذا التدبير.

– الإفراج المقيد بشروط وباقي آليات إعادة الإدماج والتأهيل:

إن بين ترشيد الاعتقال الاحتياطي والعقوبات البديلة عن العقوبات السالبة للحرية والإفراج المقيد بشروط قواسم مشتركة فهي كلها آليات قانونية تستند إلى هدف إنساني وحقوقي متمثل في حماية حقوق الإنسان، خاصة الحق في الحرية والكرامة، وتفادي اللجوء المفرط إلى الإيداع في السجن، وتعد هذه الآليات تجسيدا للعدالة التصالحية والجنائية الرحيمة، التي توازن بين حماية المجتمع وحقوق الفرد، وتسهم بشكل فعال في تقليص اللجوء إلى السجن وبالتالي تقليص الاكتظاظ داخل السجون، وتخفف العبء عن المنظومة العقابية.

وعلى الرغم من أن ترشيد الاعتقال الاحتياطي يمنع الحبس قبل صدور حكم نهائي، والعقوبات البديلة تمنع الحبس نهائيا، والإفراج المقيد يوقف تنفيذ العقوبة كليا أو جزئيا، إلا أنها كلها آليات تتحد في الفلسفة والغاية وبالأساس في هاجس إعادة الإدماج والتأهيل فهي جميعها آليات تهدف إلى إعادة إدماج الجاني في المجتمع، من خلال إصلاح سلوكه دون عزله عن محيطهمع تركيزها على الجانب الإصلاحي والتربوي أكثر من الجانب العقابي، فضلا عن تقليلها من كلفة الإيواء بالسجون.

وبالرغم من نبل فلسفة وغاية هذه الآليات القانونية إلا أن اللجوء إليها مقيد بضمانات قانونية تتطلب كلها رقابة قضائية دقيقة وضمانات قانونية صارمة، لتفادي إساءة استخدامها أو الإضرار بحقوق الضحايا، فهي لا تطبق بشكل آلي، بل بعد تقييم خطورة الجريمة وخطورة الشخص، ومدى إمكانية تقويمه خارج السجن.

3

مشاركة