بقلم: عبد السلام اسريفي
منذ عقود، ظلت جريدة لوموند الفرنسية تقدم نفسها كمنبر مرجعي في الساحة الإعلامية العالمية، بل وكمؤسسة مستقلة لا تخضع إلا لضمير الصحافة. غير أن واقع الحال يكشف وجها آخر لهذه اليومية، يجعل من حق المتتبع أن يتساءل بجدية: من يقف وراء لوموند؟ ولحساب من تشتغل؟
في سنة 1995، لم يتردد الملك الراحل الحسن الثاني في مقاضاة الصحيفة أمام العدالة الفرنسية، بعد أن نشرت مقالا مسيئا في حقه، استند إلى تقرير جيوسياسي أوروبي لم يتحرّ كاتبه الدقة. يومها ربح المغرب معركة قضائية ضد الجريدة، في سابقة أبرزت أن الخط التحريري لـلوموند ليس دائما بعيدا عن حسابات سياسية أو خلفيات موجهة، مدعومة من قبل لوبيات فرنسية واجنبية معادية للمغرب ولوحدته الترابية، مقابل تحويلات مهمة للحفاظ على توازن الجريدة واستمرارها.
ثم جاءت سنة 2010 لتكشف الوجه المالي الخفي للصحيفة، بعدما وجدت نفسها على حافة الإفلاس. في تلك اللحظة الحرجة، لم يكن إنقاذها نابعا من “قوة قرائها” أو “قيمتها المهنية”، بل بفضل ضخ أموال من رجال أعمال فرنسيين نافذين، وعملائهم خارج الحدود ،بعضهم معروف بارتباطاته ومواقفه من قضايا دولية حساسة، وفي مقدمتها المغرب. وهنا يطرح السؤال: هل يمكن لجريدة تعتمد على أموال رجال أعمال وأصحاب مصالح أن تدّعي الحياد المطلق؟
اليوم، ما زالت لوموند تمارس نفس الدور: نشر مقالات وتحقيقات في قضايا تمس دولا وشخصيات سياسية، لكن بلغة كثيراً ما تتجاوز النقد الموضوعي إلى خدمة أجندات معلومة. ومن يقرأ تغطيتها للمغرب، يدرك أنها ليست مجرد “صحافة تحقيق”، بل خطاب ممنهج يعيد إنتاج صورة سلبية، في تجاهل صارخ لجهود التنمية والإصلاح.
إن الدفاع عن حرية الصحافة لا يعني التغاضي عن حقيقة أن بعض المنابر تحولت إلى أدوات لتصفية الحسابات. ولوموند، للأسف، تقدم نموذجا لصحيفة تستغل مكانتها العالمية لإضفاء الشرعية على تحيزات سياسية واقتصادية، في الوقت الذي يفترض فيها أن تكون صوت الحقيقة لا صوت اللوبيات.
يبقى إذن أن نقول لادارة لوموند، أن الصحافة إن زاغت عن طريق الإستقلالية والمهنية، تحولت الى متجر، تخضع لمنطقة البيع والشراء،ومبدأ العرض والطلب، ويظهر، أن إدارة “لومند” فتحت باب متجرها على مصريه في وجه تجار الأزمات بفرنسا وخارج فرنسا،متناسية أن العالم اليوم يعلم حقيقة الأمور، وهو غير مهتم بما ترويه عجائز الصفحات نظير le monde…

