صوت العدالة : حسن بوفوس
في مشهد يكاد لا يُصدّق، تحوّل نزاع مهني داخل قطاع الصحة باقليم طرفاية إلى ساحة تداخل غريب بين النقابي والمدني، بعدما خرجت تعاونيات لتربية المواشي والدواجن ببلاغات تضامنية تشيد بالمندوب الإقليمي للصحة، في وقت كانت فيه الشغيلة الصحية تخوض معركة احتجاجية، فجّرها حادث مهين ، إقدام المندوب على نعت أحد الموظفين بكلمة “البرهوش” داخل مقر العمل، وهي العبارة التي أُشعلت بسببها فتيل الاحتجاج.
ذلك التوصيف اللفظي، الذي حمل في طياته الكثير من الاستصغار والإهانة، لم يكن سوى القشة التي قصمت ظهر الصبر لدى عدد من الأطر الصحية، ممن عبّروا عن استيائهم من “أسلوب سلطوي في التعامل، واستهانة بمقام الموظف العمومي”، خصوصًا في ظروف عمل صعبة أصلًا، تعاني فيها المراكز الصحية من الخصاص والتهميش.
ردّ المكتب الإقليمي للجامعة الوطنية لقطاع الصحة كان واضحًا: كرامة الموظف خط أحمر، والمندوب تجاوز الحدود المهنية والأخلاقية. ومن هنا انطلقت سلسلة وقفات نضالية، طالبت الوزارة الوصية بالتدخل وتحمل مسؤولياتها، وهو ما تفاعل معه برلمانيو الغرفة الثانية من خلال طرح أسئلة كتابية مباشرة على السيد وزير الصحة في مجلس المستشارين، في سابقة تعكس حجم الاحتقان الذي بلغه الوضع بالإقليم.
لكن بدل أن ينصبّ الجدل حول ما وقع داخل المندوبية، وجد الرأي العام نفسه أمام بيانات غير متوقعة، صادرة عن تعاونيات فلاحيّة، تشيد بتدبير المندوب، وتلمّح إلى “حملة تستهدفه”، وكأن أهل الدجاج والمواشي أصبحوا أوصياء على الشأن الصحي المحلي.
وهنا يبرز سؤال قانوني جوهري: هل يحق أصلًا لهذه التعاونيات، وفقًا لأنظمتها الأساسية وقوانينها التنظيمية، أن تدخل على خط نزاع إداري داخل قطاع الصحة، أو أن تُصدر بلاغات تهديدية وتلوّح بخوض أشكال نضالية لا تمت لا لاختصاصها ولا لمجال تدخلها بصلة؟
أليست هذه الممارسات خرقًا صريحًا لمجال اشتغالها وحيادها المفترض؟ وهل يُعقل أن تتحول التعاونية من هيئة اقتصادية إلى أداة سياسية تُستعمل عند الطلب؟
في خضم هذا التضارب، برز سؤال أكبر:هل صارت كرامة الأطر الصحية قضية ثانوية؟ وهل أصبحت الإهانات الإدارية تمرّ مرور الكرام إن تزيّنت ببلاغ تضامني من خارج القطاع؟.
المكتب النقابي، رغم سخطه من هذه البيانات، اختار الاستمرار في التعبئة القانونية والمؤسساتية، مؤكدًا أن كرامة الممرض والطبيب لا تُدار بمنطق القطيع، ولا تُقايض بتأييد خارج السياق، بل تُحمى بالمساءلة والإنصاف.
وإذا كان بعض الفاعلين المدنيين قد آثروا الدخول على الخط بتضامن “مفاجئ”، فإن الشغيلة الصحية اختارت الاصطفاف إلى جانب قيم المهنية، والنضال من داخل الميدان، حيث لا تُصنع البلاغات، بل تُبنى المواقف.
فما جرى بطرفاية لم يعد مجرد سوء تفاهم، بل علامة على أزمة عميقة في علاقة الإدارة بموظفيها، لا تُحلّ بحملات العلاقات العامة، ولا تُنسى بعبارات الدعم العاطفي، بل تبدأ بالمحاسبة، وتنتهي بإعادة الاعتبار لمن طالتهم الإهانة.
في النهاية، الكرامة لا تحتاج “كوكيط” ولا ريش دجاج لتزكيتها، بل تحتاج مسؤولًا يُحسن الإصغاء، وإدارة تعترف بالخطأ، ومجتمعًا مدنيًا يشتغل بالعدل لا بالمحاباة.


