صوت العدالة- عبد الكبير الحراب
تتواصل بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء جلسات محاكمة المتابعين في ملف ما يُعرف إعلاميًا بـ”إسكوبار الصحراء”، وهي القضية التي تفجّرت بعد اعترافات الحاج بنبراهيم، الملقب بـ”المالي”، والتي جرّت معها شخصيات نافذة، من بينها عبد النبي بعيوي، الرئيس السابق لجهة الشرق، وسعيد الناصيري، البرلماني السابق عن حزب الأصالة والمعاصرة، بتهم ثقيلة تتعلق بتكوين شبكة إجرامية، وتزوير وثائق رسمية، وتهريب شاحنات مرتبطة بشبكات دولية للمخدرات.
وكانت الجلسة السابقة قد شهدت مواجهة القاضي للمتهمين بمحاضر الشرطة القضائية وشهادات بعض الشهود، الذين كشفوا عن علاقات تجارية وشخصية مشبوهة بين أطراف القضية، ضمنها تحويلات مالية، واتصالات هاتفية موثقة، وشهادات زور جرى استعمالها لشرعنة صفقات مشبوهة.
في جلسة أمس، ركز القاضي علي الطرشي على فحص وثيقة زواج تربط عبد النبي بعيوي بسيدة تُدعى سامية، تم تحريرها بمدينة برشيد، رغم أن كلا الطرفين يقطنان بالدار البيضاء. وطرح القاضي تساؤلات حول دواعي إبرام العقد خارج محل السكنى، خصوصًا وأن الوثائق المرفقة به، وفي مقدمتها شهادة العزوبة، يُشتبه في تزويرها، إذ تؤكد السجلات الرسمية أن بعيوي كان متزوجًا حينها.
وفي رده، أوضح بعيوي أن الزواج تم على وجه السرعة لأن سامية كانت حاملاً في شهرها السادس، وأن زوجته هي من أشرفت على الملف. ولفت إلى أن الخادمة والشاهدة زينب فاخر دعمتا هذه الرواية أمام عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.
غير أن القاضي واجهه بتحريات كشفت معطيات مقلقة، منها أن الخاتم الدائري الموجود على الوثيقة غير معتمد، وأن توقيع عون السلطة الذي صدّق الوثيقة لا يعود لأي موظف معروف بمقاطعة الفداء، ما يرجح فرضية التزوير.
في سياق متصل، عرض القاضي معطيات قدمها المتهم “توفيق ز.”، تفيد بأن الحاج بنبراهيم قام باستيراد 60 سيارة من الصين عبر شركته، بينها 11 شاحنة تم إرسالها إلى عبد النبي بعيوي. هذا الأخير أنكر أي علاقة له بتلك الشاحنات، مؤكداً أن جميع عمليات الاستيراد تمت بشكل قانوني، وأنه يتوفر على صور ومستندات تؤكد أن المستودع المخصص لها يقع على بُعد 11 كيلومترًا من مدينة وجدة.
لكن المحكمة واجهته بمحاضر تبين أن خمس شاحنات تابعة لشركته كانت تعمل دون لوحات ترقيم، في وضعية غير قانونية، وأن مسؤولة بمصلحة المعدات تلقت اتصالًا من كاتبة شقيقه لتعطيل نظام تحديد المواقع GPS، في خطوة اعتُبرت محاولة لإخفاء تحركات هذه الشاحنات.
وقدّم التقني “عبد الرحمن د.”، رئيس ورشة الصيانة بشركة بعيوي، رفقة عدد من العمال السابقين، شهادات تؤكد وقوع عمليات تذويب لأرقام هياكل الشاحنات باستخدام أدوات لحام متطورة، بهدف محو هويتها الأصلية، وهي تقنية معروفة في مجال تهريب المخدرات.
غير أن بعيوي نفى علمه بأي عملية تزوير، مشددًا على أن الشاحنات لا تزال تحمل علامة “W”، وأنه لم يزر الشركة منذ أكثر من عشر سنوات، حيث يتولى شقيقه إدارتها الفعلية.
لكن المحكمة واجهته بتصريحات شقيقه التي أكد فيها تلقيه أوامر مباشرة من بعيوي لطمس هوية الشاحنات. كما عرض القاضي صورًا توثق لعمليات تزوير الأرقام التسلسلية، من خلال إضافة طبقات معدنية وإعادة نقش الأرقام بطريقة احترافية.
وفي معرض دفاعه، حاول بعيوي التنصل من أي مسؤولية مباشرة، مرجعًا الأمر إلى “سوء التدبير الداخلي”، ومشددًا على أن الشركة كانت تمر بظروف غير واضحة من الناحية القانونية، ما تسبب في بعض الممارسات غير النظامية.
ورغم محاولاته إبعاد الشبهات، إلا أن تعدد الوثائق والمعطيات التقنية وشهادات الشركاء، قد يعقد موقف الرئيس السابق لجهة الشرق، الذي يواجه اتهامات متشعبة تضعه في قلب واحدة من أكبر القضايا الجنائية المرتبطة بتهريب المخدرات والفساد المالي في المغرب الحديث.

